رغم القواسم المشتركة بين النظم العربية وكذلك المعارضات ، إلا ان هناك تباينا لا يخضع للمفاضلة بين هذه النظم وتلك المعارضات ، وذلك بدءا من انماط الانتاج ، ومرجعيات الشرعية والتشكيل الديمغرافي ، فالاقطار العربية الاقرب الى التجانس ديمغرافيا يكون الحراك فيها اوضح وربما اسهل ، وهكذا يتسنى للمراقب قياس منسوبه ، والاقطار التي يخفي سطح نظامها السياسي صراعات طائفية او قبيلة لن تكون بوصلة حراكها كتلك التي تقترب من الدولة المدنية من خلال منجزات التحديث حتى لو كان شكليا في بعض الاحوال.

لهذا كله يصعب القياس على نموذج واحد ، ولا تصلح كلمة العدوى وحدها لتحليل ظواهر معقدة لان للغيبوبات السياسية درجات وللحمى ايضا درجة ما ان تتخطاها حتى يكون هناك شلل دماغي او التهاب سحايا على الاقل،

ما نحتاج اليه الان في هذا الصخب الاعلامي الذي خلط الاوراق واتاح لمن كانوا اسبابا للازمات والكوارث ان يتقدموا الصفوف هو استقراء موضوعي وليس رغائبيا للواقع العربي العاصف ، ومن الناحية النفسية فان المكبوت المزمن لا بد ان يؤدي في المراحل الاولى من التغيير الى اضطراب يقترب من الفوضى ، لان من كان سجينا ومحروما من الشمس ومشاهدة اشياء العالم ، ما ان ينفتح له الباب حتى يعدو في الشوارع ويملأ عينيه الظامئتين بكل ما حرم منه دفعة واحدة ، لان الامر يشبه تسديد ديون متراكمة ، ومحاكمات باثر رجعي.

واذا كان هناك حكماء او عقلاء او فقهاء او ما شاء الناس من اسماء للنخب ، فان من واجبها اولا ان تقول للناس الحقيقة كما هي وان لا تتورط بتدليك العواطف والنرجسيات الوطنية الجريحة.

فاليوم الاطول وربما الاهم في اي تغيير هو اليوم التالي لتحقيق الهدف وتلبية الشعار لان رقصة الانتصاف كما كان اسلافنا يسمونها والتي تعبر عن انتشاء المظلومين باستعادة الحق ، لها عمر محدد ، وما ان تطول حتى تتحول الى انشغال المنتصرين بالغنائم واشتباكهم حولها مما يتيح للعدو ان يعيد الكرة ويغير المعادلة.

الوطن العربي الان يبدو كما لو انه تحت مطرقة التاريخ ، وكأن ما تحقق او ما ظننا انه تحقق من الاستقلال بعد الحقبة الاستعمارية كان ناقصا ، ويبحث محيط دائرته عن هذا القوس المحذوف والاشبه بقوس قزح.

واذا كانت الشعوب قد خلفت النخب وراءها وصارت تلهث للحاق بها واختطاف منجزها التاريخي ، فان المحللين ايضا يلهثون للحاق باحداث وقعت خارج حساباتهم وبعيدا عن حدسهم واستشعارهم للمستقبل. ليس لكونهم عرافين او قراء طوالع ، بل لأن من يعي حاضره جيدا يستطيع ان يستشرف مستقبله لانه في النهاية حاصل جمع ممكنات هذا الحاضر.

نعرف القواسم المشتركة بين النظم العربية امنيا وسلطويا واحتكارا ورفضا للتداول ، لكننا نعرف بالمقابل الفروق ، وهي لا تتعلق فقط ببيئات ديمغرافية ومواقع وشرعيات بل هي وثيقة الصلة بالعالم الخارجي الذي لا يتعامل مع كل المواقع الساخنة بالميعار ذاته خصوصا القوة الاعظم وهي الولايات المتحدة التي لن تفاجئ احدا اذا كررت اسلوبها في ازدواجية المعيار،

عالمنا العربي خرج من الكهف ، ومن حالة الاستنقاع المزمنة التي سميت استقرارا وعلينا لكي لا يصم آذاننا صخب الحراك الباسل أن نقرأ ما لا يراد لنا قراءته فالكمائن عديدة وأساليب الاجهاض لا حدود لها،،


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور