لم يتذكر رئيس بلدية لندن بوريس جونسون كلمة واحدة مما قاله بلير عن امريكا ورئيسها السابق أثناء غزو العراق، ولم يقف مشدوها يتفرج على موكب الرئيس أوباما في شوارع لندن وهو يركب السيارة الرئاسية المسماة الوحش، ما حدث ان رئيس بلدية لندن أرسل الى الرئيس أوباما وموكبه فاتورة بقيمة عشرة جنيهات استرلينية كغرامة مرورية، وحين ردت البعثة الدبلوماسية الامريكية في لندن على رئيس البلدية جونسون قائلة انها معفاة من الضرائب أجاب جونسون بحزم ان هذه الغرامة ليست ضريبة

قد يضحك العربي أينما كان موقعه في هذه التضاريس الشقية وهو يقرأ النبأ، فالرؤساء ومن دونهم بكثير لا يدفعون غرامات ولا يخطئون لأنهم معصومون، والناس هم الذين يدفعون غرامات على أصواتهم اذا تجاوزت الهمس ان كان مسموحاً وهو على الأغلب محظور

وقد لا يعرف من سمعوا بفرانسيس فوكوياما أن أهم ما كتب ليس عن النظام العالمي الجديد او ما سمي خاتمة الانسان، فهذا الرجل كتب عن القانون في الغرب باعتباره العقد الاجتماعي والسياسي الأعظم في تاريخ الحضارة وحين يحترم الناس القوانين فهم يدركون بأنهم يدافعون عن حقوقهم أولاً، لكن على نحو استباقي أو احترازي، وللمثال فقط، فإن من يلحق أذى بسيارة واقفة أمام منزل أو في الشارع يترجل من سيارته ويضع بطاقة تحمل اسمه وعنوانه على نافذة السيارة المتضررة، رغم انه ما من أحد رآه وهو إذ يفعل ذلك ينتظر بالضرورة من آخر يلحق الأذى بسيارته أن يفعل ذلك.. ونحن نعيش في عالم قد يدهس فيه طفل ويلوذ من دهسه بالفرار بدلاً من أن يحمله الى أقرب مستشفى، لهذا يكون كمن قتل انساناً مرتين، مرة حين دهسه ومرة أخرى حين حرمه من فرصة النجاة

أوباما إذن مطلوب لبلدية لندن بعشرة جنيهات مقابل مخالفة مرورية لموكب رئيس أعظم وأقوى دولة في العالم..

ومن حق البعض ان يتعاملوا مع هذا الخبر باعتباره نكتة سياسية، لكنها ثقيلة الدم وباردة على الطريقة الانجلوساكسونية، لكن من حق البعض الآخر ان يبكي حتى تنضب غدة الدمع من رأسه، فيتيح لما أحتقن من دم مشحون بالغضب أن يتدفق من عينيه ومن فمه أيضاً..

تذكرت على الفور حادثة لا تنسى في باريس قبل بضعة أعوام، فقد نسيت نظارتي الطبية على رف في كشك للتلفون، وكانت معي زميلة فرنسية، عندما أخبرتها قالت لي بأنني سوف أجد نظارتي وما من داع للقلق، لكنني أسرعت في المشي وكأني أهرول قبل أن تضيع نظارتي..

وأخيراً وجدتها في مكانها، فقالت لي السيدة الفرنسية هذا هو الفرق بيننا، فالناس هنا لا يسرقون لأنهم متدينون أو خوفاً من عقاب، بل هو عقد اجتماعي أيضاً فمن لم يسرق نظارتك لا يريد من أحد أن يسرق علبة الدواء التي أحضرها لأمه في اليوم التالي..

بالطبع من يسرق نظارتك الطبية لا يختلف كثيراً عمن يفقأ عينيك أو يسرقهما

فمتى نفهم القانون على أنه معنا ومن أجلنا أولاً، وان ما يعاقبنا عليه إذا اخطأنا هو ذاته ما سيعاقب الآخرين إذا اخطأوا بحقنا.. وأخيراً المطلوب من رعايا الدول التي تعيش خارج القانون أن يتبرعوا بعشرة جنيهات لأوباما


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور