رغم وفرة الكتابات والتعليقات حول السيناريوهات السياسية المتدرجة من السيء الى الاسوأ ثم الأشد سوءاً، الا ان هناك صمتا مريباً حول السينارست، فما من سيناريو يولد من ثقب في الحائط أو فوهة بندقية، وقد يكون من السهل وصف قوة عظمى تنفرد بالقرارات وتسوق الأمم حتى العريق كالاغنام بالسينارست، لكن الامر ليس كذلك، فالقوة الأعظم والمقصود بها امريكا ليست كياناً متجانساً، أو مجرد دولة عالمثالية يقودها جنرال الى حيث يشاء ثم يقسم أيامها ولياليها الى شقاء ونعيم كما كان يفعل النعمان، وليس المقصود بعدم التجانس السياسي أو نظام البعد الواحد وجود حزبين أحدهما يرمز له بالحمار الصّبور والآخر بالفيل الطيب وحامل الاثقال هما الديمقراطي والجمهوري، فثمة دول في عالمنا بها احزاب بعدد مدنها وقراها، لكنها محكومة وبشكل شامل وذي شعار أبدي من حزب واحد، وهناك نكتة سياسية سوداء تروى عن بلد عربي حكمه لفترة من الزمن حزب واحد سرعان ما تحول الى قبيلة، وعندما فكر هذا الحزب بتشكيل جبهة وطنية من مختلف الاحزاب، صدق البعض ذلك، وذات يوم صعد أحد أفراد الحزب الصغير الى الجدار ليرفع شعاراً باسم حزبه، وعندما فوجىء بوجود أشخاص من الحزب الحاكم واضاف الى اسم حزبه عبارة تقول.. لصاحبه الحزب الفلاني الحاكم ان المزاج السائد في بلد ما حتى لو كان بحجم الولايات المتحدة ونفوذها تصنعه الميديا وهي عندما تكون مسيرة ومسيّسة ومؤدلجة ايضاً تلجأ الى الانتقاء، وبالتالي الحذف والاضافة، وقد يكون المحذوف هو الحقيقة ذاتها، وهذا ما دفع أحد الشهود هو الحقيقة ذاتها، وهذا ما دفع أحد الشهود الاحياء في نيويورك الى تسمية الميديا باسمها الواقعي وهو مهنة التلاعب بالعقول

لكن الخديعة لا تستمر حتى لو طالت، وهذا ما حدث مراراً في الغرب بمختلف عواصمه، فالميديا الفرنسية التي كانت خلال احتلال الجزائر تجر بالدبابات تحولت الى فضيحة بعد ان اكتشف المسكوت عنه من خفاياها.

وهذا ما تكرر في افغانستان والعراق وسائر حروب ما بعد الحداثة الاستباقية في العقدين الماضيين، والمزاج السياسي في الولايات المتحدة لا تحدده الاستطلاعات لانها ليست مجردة أو اكاديمية بحتة، فهي ايضا تخضع للانتقاء ولها بوصلتها السياسية.. لهذا علينا كعرب أن نقرأ ما تتاح لنا قراءته من الكتب والابحاث الصادرة في الولايات المتحدة، ومنها ما هو محاصر بشتى الاساليب لأن ما يكتبه تشومسكي لا يحظى بالدلال ذاته الذي تحظى به كتابات فريدمان أو ميرفي أو بعض العرب المتأمركين.

والأمريكي الذي حمل صورة ابنه الوحيد الذي قتل في العراق لم يسأل ادارة بلاده عن الضرائب التي يدفعها، بقدر ما تساءل عن اسهام ما يدفعه في قتل أعز الناس واقربهم اليه وهو ابنه الوحيد.

ومن سكبوا النفط من غالونات وزجاجات بشكل رمزي في الشوارع كانوا يعلنون عن اكتشافهم للخديعة، ومعادلة النفط مقابل الدم، وهي المعادلة المسكوت عنها ازاء ما سمي بالنفط مقابل الغذاء والدواء

لقد خدع الامريكيون اكثر من أي شعب آخر في عصرنا، وسيقوا الى حروب ليست هي حروبهم، وحصدوا من الكراهية ما لا يقوون على احتماله.. لهذا فان الكوة التي فتحت في الجدار آخذة في الاتساع


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور