ما كتب حتى الان عن الديكتاتور وهو لا يحصى ما يزال ناقصا، لان المسألة متعلقة اساسا بالتكوين النفسي لنمط من البشر، يسعون على الدوام لاخفاء حقائق تربيتهم وطفولاتهم لهذا يلجأون الى تضليل من طراز عجيب يشملهم هم انفسهم ايضا، بحيث تخترع لهم طفولات يقوم بتلفيقها اخصائيون في فقه التزوير، بحيث تليق هذه الطفولات المصنوعه بما وصلوا اليه.. فمن كان في اخر الصفوف في المدرسة يصبح عبقريا يشيد به مدرسوه القدامى، ومن كان افاقا وقاطع طريق يصبح حاتم الطائي بفضل هذه الصناعة التي لها خيمياء وليس كيمياء من نوع عجيب.

ودائما يكرر الطغاة انهم لم يكونوا يعلمون بما يجري لشعوبهم، وكأنهم ازواج مخدوعون وحقيقة الامر ان المجتمعات التي تحكم بنظم باترياركية هي زواج سياسي ايضا، لهذا عولج بالخلع بعد ان فشل الطلاق رغم كونه الابغض الى الله لكنه الاحب الى الشعوب عندما يكون من هذا الطراز السياسي.

جميعهم يقولون في الربع ساعة الاخيرة من حكمهم انهم اخيرا فهموا.. والحقيقة انهم لم يفهموا لان هناك من كانوا حولهم من الدببة التي تبرر لهم الاخطاء وتزين لهم الخطايا، ولا نظن ان حكاية مأمورية الزير التي تبرئ الحاكم وتدين الحاشية قد استمرت في صلاحيتها حتى ايامنا هذه، فالنظم انسجة وتكوينات بنيوية والخطأ فيها يجب ان يكون موزعا بالتساوي بين من يدري ومن لا يدري، رغم ان مصيبة من يدري هي الاعظم

ان عشر ما يطالب به العرب الان كان يكفي قبل عقود لمصالحة سياسية بين الحكام والمحكومين لكن التجاهل والتعامي ووهم احتكار الصواب اصاب البعض بالعمى المزدوج عمى البصر والبصيرة معا، فلم يروا ابعد من اقدامهم. ولم يتبق امامهم الا ان يكرروا حكاية البسكويت المعروفة عن ماري انطوانيت عندما قيل لها ان الناس جياع ويصرخون من اجل الرغيف.

هل ما حدث حتى الان يكفي للاعتبار؟.

وهل التكرار بالفعل يعلم حتى الحمار؟.

اننا نعيش على امتداد العالم الان صحوة ايقظت السؤال الهاجع منذ قرون وهو لماذا نجوع ولماذا تفتك بنا الاوبئة ولماذا نتحول الى استمارات وارقام صماء في الجداول..؟

ان الاسئلة الخمسة التي تبدأ بحرف دبليو بالانجليزية وهي لماذا واين ومن وكيف ومتى آن اليوم موعد ترجمتها الى العربية فالعرب خجلوا زمنا من اسئلتهم واغمدوها في لعابهم، وكظموا الغيظ حتى تدفق الدم من شرايين اعناقهم، وتجاوز السيل الزبى كلها وكان من دم ودمع وليس من ماء او نفط.

والمقولة المعروفة في القانون وهي ان القوانين لا ترحم الاغبياء الجاهلين بها، تصح ايضا على التاريخ فالتاريخ لا يرحم من يجهلونه ومن قرأوه كحكايات فقط قبيل النوم.

لم يعد الزوج في هذا الوقت الاغبر والذي اصبح فيه كل شيء مباحا لا يعلم ان الديكتاتور وحده هو اخر من يعلم رغم انه البادئ الاظلم.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور