ثلاثة أطراف تحالفوا لافساد مهنة الكتابة وتحويلها من مهنة فائض الموهبة والعطاء، الى مهنة فائض الأمية والأخذ، الطرف الأول هو صاحب المصلحة الابدية في تحويل هذه المهنة الى اسطبل أو رهينة وهو السلطات على اختلاف الاسماء والرقيب على اختلاف الألقاب، فهؤلاء يسرهم ان يتحول الكاتب الى ببغاء تردد الصدى أو الى فقيه للتبرير بحيث لا مانع لديه في ان يبرهن على استطالة الارض وعدم دورانها أو العكس تبعاً للثمن المدفوع والطرف الثاني هو المتلقي الذي تم تخريب ذائقته، بحيث حقن بذلك الحبر المخدر، الذي ينتهي مفعوله عند تدليك العواطف وتملق الانفعالات العابرة، وان كان هذا الطرف قد اعلن عصيانه منذ زمن ليس بالقصير عندما قرر أن يفطم عينيه عن ذلك الحبر السام، وان يكون شريكاً متفاعلاً، وليس مجرد منفعل يتلقى ما يرد اليه بلا تمحيص، لكن هناك كتاباً من العرب لم يصلهم النبأ بعد ويواصلون عاداتهم العلنية وهم آخر من يعلمون بأن القارىء تلقح ضد جحورهم، وتفوق عليهم بوعيه لأنه ليس صاحب أية مصلحة في تهريب الوقائع أو تبرير الاخطاء
أما الطرف الثالث رغم اعتقاده الوهمي بأنه الأقنوم الاول في هذا الثالوث فهو الكاتب أو من يسمى كذلك لأسباب اجرائية متعلقة بتصنيف المهن، فهو يظن أنه يشبه بالعنزة التي ترضع من أمها حتى تستطيع الاعتماد على نفسها، وبعد ذلك تبدأ بافراز الحليب، فهو مثلها وربما أقل منها لأنه يكتب أكثر مما يقرأ، وقد ينتهي به الأمر الى أن لا يقرأ نفسه، لمعرفته بنوع العشب البلاستيكي الذي يجتره..
لقد أوشكت العملة الرديئة في هذا التضخم ان تطرد العملة الجيدة شأن كل المهن في مختلف المجالات، ولو عرف القارىء العربي كم هو عدد الكتاب في بلاده والذين يعلفون عشرات الأولوف من المطبوعات الصفراء والخضراء والسوداء ومن مختلف الالوان وبلا لون أيضا لاصابته الدهشة، فعدد الكتاب العرب أو من يحملون هذا اللقب أصبح ينافس عدد القراء العرب من الماء الى الحبر والمفارقة هي ان عدد من يكتبون يتصاعد مقابل انحسار وهبوط عدد القراء، وقد سبقنا الكاتب هربرت ريد عندما تحدث عن التحالف الاستراتيجي بين الكاتب الواعي والقارىء الشريك مقابل تحالف مضاد بين كاتب مفرغ من الوعي وقارىء يلعب معه التنس بلا شبكة.. فالمتوالية مستمرة، خصوصاً في هذا الوقت الذي ارتفع فيه سعر الاشياء كلها حتى الماء والهواء وتدنت تسعيرة الانسان بحيث أصبح رقماً في قائمة قتلى أو الاحوال المدنية.
أحياناً نعذر الناس على عزوفهم عن القراءة لفرط ما خدعوا وما ضبطوا آخرين متلبسين بالتناقض، ومنهم من لم يصبر أكثر من يوم واحد ليقلب ظهر المجن لولي نعمته لعله يظفر بالحسنيين وهو بالتأكيد لن يظفر حتى بالأسوأين أو السوأتين | |
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|