لسبب ما وربما لمجرد الفضول عدت الى معظم ما كتب في الصحافة العربية عن الاسير الاسرائيلي شاليط عشية الاعلان عن عملية اسره، ووجدت ان من كتبوا عن عدم جدوى تلك العملية قبل اعوام عادوا ليكتشفوا جدواها باثر رجعي او لمجرد ان يتأقلموا مع المناخ والمزاج الشعبي السائد.

وليس ما اعنيه بالمسكوت عنه في هذه الصفقة معلومات سرية يسيل لها لعاب الباحثين عما يدور وراء الكواليس، انه مجرد تداعيات منها ما نبوح به في مثل هذه المناسبات وهو قليل ومنها ما نهمسه او يبقى طي الصمت، وهناك من تساءلوا دائما عن اللاتكافؤ في صفقات او مقايضات الاسرى بحيث يستبدل قدم او ذراع او ما تبقى منهما بكتائب من العرب، ولكن هذا التساؤلات تلاشت بمرور الوقت، وبالتسليم بان الخلل في موازين القوى ليس امرا اجرائيا او عابرا، وكأن للاسرى ايضا تسعيرة سياسية، يفرضها وضع دولي شاذ، وظروف بالغة الاستثنائية بحيث يصبح المعتدى عليه في عقر داره مجرد اسير او رقم في قائمة اسرى.

لن نذهب بعيدا في هذه التداعيات لانها مؤلمة وجارحة للكبرياء القومي، ما دام المريض يرضى بالسخونة اذا كان الخيارالاخر هو الموت.

ثمة اسرى سيعودون الى ذويهم، مقابل اخرين عليهم ان يحزموا للمرة الالف حقائبهم للمغادرة بحثا عن منفى جديد.

ورغم ان الفلسطينيين رضوا بهذا البين الا انه لم يرضى بهم فخرجت مظاهرات في اسرائيل تندد بالصفقة، وتطالب بعدم الافراج عن اسير واحد.. ربما لان من خرجوا في تلك المظاهرات يريدون للشعب كله ان يبقى اسيرا، كي يتوغلوا في الانتهاك والاستيطان اللذين لم يسلم منهما حتى الشجر.

ويبدو ان الصراعات الفلسطينية البينية والمزمنة رسخت نمطا من الثقافة شبه السرية فما ان ينجز طرف ما انجازا مرضيا للشعب او لاغلبيته حتى يدخر الطرف الاخر تحفظاته ولو تكتيكيا، لكن تصفيقه يبقى باردا، وتوشك كلمة نعم التي يقولها ان تكون "لعم"

خطاب عباس في الامم المتحدة والذي اثار تأييدا دوليا احتفاليا من خلال المقاطعة المتكررة بالتصفيق وقوفا لم يكن من المتاح لاي طرف اخر يعترض عليه وعلى اسسه ان يعبر عن رفض مباشر له.. لهذا كانت هناك نعم.. لكنها متبوعة على الفور بـ لكن.. وان كان هذا الاستدراك بعد لكن قد يحذف ما قبله اذا فسرناه الى اقصى مداه.

وكذلك كانت صفقة الاسرى فالمتحفظون عليها او على منهجها ليس بوسعهم ان يتصدوا لها، فهم يكررون التصفيق البارد ايضا ويضيفون لكن اخرى من اجل استدراك يهدد ما قبله بالحذف.

قد يتمنى الفلسطينيون لو ان التنافس بين الاطراف المتصارعة هو على الانجازات فلا بأس ان يشعر طرف ما بضرورة مضاعفة الانجاز كي يحقق الندية على المستوى الشعبي، لكن ما ترسخ من ادبيات هذا الصراع هو التآكل وليس التكامل، بحيث تجد مقولة الراحل هشام شرابي "فشل اخي هو نجاحي" مجالا حيويا في السياسة، رغم ان الرجل استخدمها في اطار تربوي اجتماعي.

المسكوت عنه في حياتنا اضعاف المسموح بالاقتراب منه، لان التقويل وليس التأويل يتربص بنا، وكأننا مطالبون بالمفاضلة بين الشاي والقهوة او هذا الفريق الرياضي او ذاك رغم ان الدم واحد وكذلك اسباب الاسر


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور