لكي يحتفظ المعدن الرخيص بطلائه، ثمة ثلاث تحذيرات على الاقل، وهي عدم تعريضه للعرق او الكحول او الرطوبة الشديدة، وحين تكون الحداثة سواء في الثقافة او السياسة مجرد طلاء عليها ان لا تتعرض لأي اختبار، فمقابل العرق هناك الانفعال والغضب ومقابل الكحول الدم، واخيرا مقابل الرطوبة الهواء الطلق، فالدولة التي تزعم بانها تنتسب الى حقبة ما بعد الحداثة سرعان ما تعود الى ما قبل الدولة، وربما ما قبل القبيلة ايضا والحزب الذي يزهو بشعاراته المضادة للتخلف والاستبداد، سرعان ما يتحول الى امثولة في التخلف ونموذجا للاستبداد شرط ان يتعرض لاختبار ميداني .
ومعظم المزاعم العربية حول التحديث والعصرنة اتضح انها مجرد طلاء، وقد تتفاوت المهارات في انجاز هذا الطلاء الذي لا يتخطى القشرة والسطح، بحيث يكون الطلاء الجيد اطول عمرا ببضع سنين من الطلاء الرديء.
ان اكثر الناس والافراد ثرثرة عن الديمقراطية وحق الاختلاف يتحولون لمجرد ان يصعد الدم الى وجناتهم الى شعراء النقائض المشهورين في العصر الاموي، ويبدأ البحث في الدفاتر القديمة عن اصل وفصل هذا المختلف، فقد يعير بان جده كان اسكافيا او مطهر اطفال.
ما عليك لكي تختبر هذا الطلاء الا ان تستنفر ما يسميه علماء الاحياء الخلايا الزواحفية في الدفاع، بحيث تحل الغريزة بكل نجاحتها مكان العقل.
وما حدث حتى الان من حروب اهلية وشبه اهلية في العالم العربي تولت فيه الغرائز القيادة، فالماركسي فقد طلاءه الاحمر وعاد الى جبلة بن الايهم في مرحلته الوثنية والمثقف الليبرالي الذي طالما بشر بالحرية والانعتاق من حدود الطائفة او القبيلة سرعان ما يسقط عن وجهه القناع ليعود سالما الى قاعدته الطائفية وهويته الفرعية، والمحرض على حرية المرأة ومحامي الانوثة قد يتجشأ بعد وجبة دسمة اعدتها له الدمية، وقد يكون مطمئنا الى السجن الذي حشر فيه نساءه فالانسجام مع الذات هو اندر العملات المتداولة الآن، وعلى من يشفى من الشيزوفرينيا ان يدفع ثمن صدقه مع ذاته وتناغمه مع اطروحاته، لأن الوصفة المثالية الآن هي ان تكذب كي تنجو، وان تسرق شرط ان لا تُضبط مُتلبسا، وان تكون فاسداً محترفاً وتلعن الفساد، وحين تفقد الحداثة الزائفة هذا الطلاء المبالغ في لمعانه تعود الى حقيقتها، لأن الحفلة التنكرية تنتهي.
اين يذهب التأنق النظري والادلجة المطرزة بالمصطلحات الاشبه بالحجارة الكريمة لحظة الاختبار؟.
هل هو الاحتياطي الجاهلي المخزون يتم استدعاؤه عندما تأزف الحاجة، ام ان الطلاء الهش لا يقوى على مقاومة اي شيء، وبمقدور طفل ان يكشطه بأظفره
انها مفارقة تتطلب فحصاً تحت عدة مجاهر، مجهر نفسي وآخر اجتماعي وثالث عضوي، تلك التي تتلخص في القدرة الخارقة على تحويل ادوات التقدم الى هراوات في عجلات العربة.
فالهاتف والفاكس والفيس بوك وكل ما سوف يأتي من هذه السلالة التكنولوجية قابل للتوظيف المضاد، ونتمنى ان تقدم لنا احصاءات من ذوي الاختصاص عن عدد من يشاهدون قنوات معرفية من طراز ناشنال جيوغرافي في وطننا العربي أو بمعنى أدق في منفانا القومي؟.
لان الاحصاءات الكارثية حول القراءة عرفناها من تقارير التنمية.
اما الاحجية التي تبحث عن عبقري يحلها فهي كيف تحولت التنمية الى أنيميا؟؟.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|