لمجرد ان قال أوباما في خطابه الموسمي امام الايباك بأن أمن اسرائيل مقدس فهو يرسل برقية عاجلة الى الالم هي باختصار ان العلاقات بين واشنطن وتل أبيب فوق سياسية، لهذا كان خطاب هذا العام بمثابة تقديم أوراق اعتماد الى اللوبي اليهودي في امريكا، وأوباما الذي ذكر اسم سلفه ترومان عدة مرات ظهر على الشاشة كما لو انه ذلك الانجلوساكسوني، وقد ارتدى قناعاً افريقيّا، فالحفلة تنكرية بامتياز. لهذا ايضا كان أوباما يطفو على تصفيق لم ينقطع الا عندما خفتت نبرته بالنسبة لايران عندما قال ان أي هجوم عسكري اسرائيلي على منشآتها النووية هو قرار سيادي

وعلى التوالي.. برّأ أوباما الصهيونية من العنصرية بشكل كامل وحاسم وأدان المذكرات الدولية التي اعتبرت الصهيونية عنصرية. ثم تبنى اطروحة الليكود الاسرائيلي حول الدولة اليهودية. وذكّر اسرائيل بفضائله بدءاً من استخدام الفيتو مرات عديدة لصالحها وآخر استخدام كان ضد الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن، كما ذكر اللوبي اليهودي بموقفه ضد تقرير غولدوستون وأعاد تعريف سلفه الابيض لاسرائيل بأنها قصة أمل رغم ان هناك من اليهود من يقولون انها قصة فشل، لكن أوباما لأسباب انتخابية كان يهوديا اكثر من اليهود واذا كانت ايران تستحق العقاب الدولي، فليس فقط بسبب محاولتها انجاز قنبلة نووية، بل لأنها انكرت الهولوكوست. هكذا وزّع أوباما أقواله وافعاله بالتساوي بين اسرائيل والفلسطينيين.. فالافعال كما قال بعظمة لسانه لاسرائيل وعلينا ان نستنتج بما تيسر أو تعسر من ذكاء بأن الاقوال فقط هي حصة الفلسطينيين، وهذا ما حدث بالفعل فقد كانت الدولة الفلسطينية وعداً أوبامياً عشية فوزه بالانتخابات وحدد لها العام 2011 موعداً لاعلانها. يزهو أوباما حتى على أسلافه الاكثر من اربعين ممن حكموا امريكا بأنه كان الاكثر انحيازاً لاسرائيل ولحمايتها ولتقديس أمنها، وحين وعد بتكريم شمعون بيريز وتقليده أرفع وسام امريكي لم ينس أن يذكر دوره في عصابة الهاجاناة لكأن التكريم مزدوج، فهو للهاجاناة أولاً ثم للرئيس الاسرائيلي الذي تخرج من تلك المنظمة، وما قاله عن فك الحصار لا العزلة ضد اسرائيل بعد حادثة الاعتداء الهمجي على السفينة مرمرة هو ايضاً اعتداء آخر وبأثر رجعي على تركيا، فثمة الآن رذاذ من دم ضحايا مرمرة على جدران البيت الأبيض

ما الذي لم يقله أوباما بعد؟ وهل ادخر في جعبته أي احتياطي للتسبيح بحمد الايباك بدءاً من واشنطن حتى تل أبيب مروراً بكل الضواحي السياسية لواشنطن

ومن حق العرب الذين هللوا لخطاب أوباما في جامعة القاهرة أن يعتذروا الآن عن تصفيقهم، فهم عندما تأزف لحظة الجد يطردون من المعادلة ولا ينالون من خطاب طويل غير سطر واحد ملغوم

نتذكر الآن من استحفهم الطرب عندما فاز الشاب الأسمر ذو الجذرين الافريقي والاسلامي. فهم لا يجيدون القراءة عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة التي يتحول رئيسها بعد فترة من وصوله الى البيت الابيض الى دمية أو رهينة

ومن كان شعار حملته الانتخابية التغيير فعل العكس تماماً، وكرّس أمراً واقعاً مثلما قصرت ذراعه عن الوصول الى أقفال غوانتانامو

ولحسن الحظ ان خطاب أوباما كان مترجماً الى العربية الفصحى ولا مجال لأي تذرع بسقطات اللسان أو رداءة الترجمة.

رأيته ترومان بقناع افريقي ويعترف باسرائيل بعد ثلاث دقائق من اعلانها


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور