تميّزت سفرة الإفطارالرمضانية في مكة المكرمة بالعديد من المأكولات والمشروبات التي تُقدّم خصيصاً في هذا الشهر المبارك .
 
 
ومن أميّز المشروبات التي نالت شهرة واسعة وأصبحت سِمة تُعرّف بها البيئة الرمضانية في مكة هو مشروب : السوبيا . الذي كان _ ومازال _ يُصنع في المنازل من قِبل ربات البيوت , كأحد لوازم السفرة الرمضانية العامرة , التي يروي بها الصائم ظمأه ويبلل بها عطش عروقه بعد ساعات الصيام .
 
والسوبيا : عبارة عن مشروب طبيعي بدأ أهالي مكة المكرمة بصناعته في المنازل يدوياً , حتى اتخذ أحد أبناءها وهو العم / سعيد علي محمد خضري رحمه الله خطوة عمليّة في نشر مشروب السوبيا بين الناس عندما احترف صناعتها وبادر بتوزيعها بين معارفهِ وكل من طلبها بعد تذُوّقِها ومعرَفة جودتها من خلاله , حتى ذاع صيته كصانع لها في المجتمع المكيّ أجمع , فباتت اليوم مقرونة بإسمه ومتربطة بتاريخ صناعته لها , فهو عرّاب السوبيا والرجل المتصدّر في عناوين تاريخها وأصلها وانتشارها .
 
وخلال لقائنا بالأستاذ / فيصل سعيد خضري وهو أحد أبناء العم سعيد رحمه الله تعالى , سرد لنا جزء يسير من حياته ورحلته مع هذه الصناعة , مع بعض المعلومات حول كل ما يتعلق بها كمنتج مكيّ أصيل قلّ من لا يعرفه اليوم .
ولد العم / سعيد علي محمد خضري في حارة الشبيكة إحدى حارات مكة المكرمة , حيث كان هناك منزل والده ونشأ بها وعاش فيها , حتى بدأ رحلته منذُ صغره مع صناعة السوبيا كهواية وإبداع ذاتي , حيث يتم تجهيزها وتحضيرها بطريقته الخاصة في محلٍ لا يتجاوز البضع مترات أمام الحرم المكي الشريف استعداداً لبيعها .
 
و لقد ميّزعشاق السوبيا بأن السوبيا التي ينجزها العم سعيد خضري متفرّدة بجودة طعمها ومذاقها اللذيذ و نكهتها الكامنة , فأختارها عشاقها على غيرها ( فمن ذاقها عرفها و من عرفها غرفها ) مما جعلها  تتفوّق و تتغلّب على بقية ما يُصنع من سوبيا في مكة , دلّل على تلك الجودة انتشارها بسرعة فائقة بين الناس , فقد نالت صناعتها تطوراً خاصاً بإدخال خلطته السرية عليها , حتى استحقت ذلك الاكتساح والشهرة عن جدارة وتفوّق على أي مشروب آخر .
 
ولكثرة الطلب عليها بالذات في شهر رمضان المبارك كان يضع السوبيا في أزيار صغيرة الحجم تُصنع من الفخار خصيصاً لبيعها , ومع تطوّر الصناعات استُبدِلت بعد ذلك بالأكياس البلاستيكية لبيعها.
 
    
فأسس العم سعيد خضري في عام 1375هـ  أول محل له في الشبيكة بالقرب من المسجد الحرام أمام مسجد المحجوب بين سوق الصغير ومدارس الفلاح. 
 
وزادت شهرته حتى أصبح مرور مكة يضع دورية خاصة لتنظيم المرور أمام الدكان , خاصة في شهر رمضان المبارك ثم انتقل إلى عدة أماكن أخرى منها جبل الكعبة ثم الحفائر ثم شارع منصور ثم الرصيفة إلى يومنا هذا... وذلك بسبب مشاريع توسعة منطقة الحرم الشريف .

أما عن مكونات مشروب السوبيا فهي عباره عن : شراب الشعير ومنه ( السوبيا البيضاء ) و شراب الزبيب ومنه ( السوبيا الحمراء ) .
فالسوبيا البيضاء مكّونها الأساسي الشعير البلدي والهيل. والسوبيا الحمراء مكونها الأساسي الزبيب ويمكن خلطهم مع بعضهما كشراب مشكل ( كوكتييل ) وردي اللون.
 
وأهل الإختصاص العلمي يعرّفون السوبيا بتغيّر حيوي كيميائي على شكل كربوهيدرات  Cn(H2O)n  ( سُكريات ) فسُكر الشعير المذاب في الماء ما هو إلا سُكر المالتوز.
 
أما سكر الزبيب المذاب في الماء  ما هو إلا سكر أحادي يعرف بـ الجلوكوز , فالسوبيا من السُكريات المذابة في الماء بطريقة مقننة موزونة بنسبة PH الحمضية , كشراب طبيعي 100% بدون مواد حافظة.
 
وعن كيفيّة صناعتها : فهي تتم في ( بيئة تعقيمية نقية ١٠٠% ) فالتسخين عند درجة الغليان ١٠٠ درجة مئوية , و التبريد عند درجة التجمّد ( الصفر ) . 
 
فيتم أولاً التسخين ثم التبريد لحدوث التغير الحيوكيميائي_وتكوين محلول متجانس القوام .
  
ولا شك أن مكوناتها الطبيعية تفيد بأهميتها الغذائية والصحية , فقد ذُكر في زاد المعاد لابن القيم رحمه الله : أن ماء الشعير قاطع للعطش ومطفىء للحرارة .
 
وذكر الباحثون فوائد كثيرة للشعير منها : يمد الجسم بالطاقة , يُخفِّض الكولسترول في الدم ، ويحمي من تصلب الشرايين ، ويحافظ على توازن السكر في الدم ، ويمنع ارتفاعه المفاجئ ، ومدر للبول وملين ومهدىء للقولون , يشعر بالشبع .
 
وعلمياً يحتوي الشعير على الحمض الأميني ( تريبتوفان Tryptophan ) الذي يكوّن السيروتونين Serotonin التي يؤثر بشكل ملحوظ في الحالة النفسية والمزاجية للإنسان.
 
ورغم التعدّي على حقوق الاسم والصناعة من قِبل الكثيرين إلا أن العم سعيد خضري رحمه الله تعالى لم يكن يأبه لذلك ولا يلتفت له , فقد كان قنوعاً بما خصّه الله تعالى من رزق وكان يقول : " السوبيا خدمة انسانية وليست تجارية و الناس تشرب و تدعيلك , و الناس قد لا يعرفونني بشخصي ولكنهم سيعرفون السوبيا التي أصنعها ".
 
إلا أن أبناءه اليوم قاموا بتلبية طلب الزبائن وعشاق سوبيا سعيد خضري رحمه الله بوضع شعار خاص بسوبيا سعيد خضري على المنتج منعاً للالتباس وخداع الناس و من هذا الشهر المبارك سوف تغلف حرارياً .
كما نوّه ابنه فيصل بأنه لا يوجد أي فروع أخرى لمحل العم سعيد خضري رحمه الله , سوى محله الوحيد الكائن في شارع الرصيفة بجوار المحطة . لم يعطي سرها  و خلطتها السرية لأحد  لا من   قريب و لا من بعيد ...
 
وعند وفاة العم سعيد خضري رحمه الله تعالى , كتب الدكتورعبدالعزيز سرحان في رثاءه في جريدة الندوة مقالاً بعنوان : " ورحل نجم السوبيا وامبراطور الشراب الرمضاني الشهير "
 
 
حيث قال في مقالته الرائعة : " سنذكرك يا أبو ساعد دائماً كلّما شربنا السوبيا ، وكلّما مررنا بالشبيكة , وكلّما حل علينا شهر الخير شهر رمضان المبارك " .
 

المراجع

makkawi.com

التصانيف

مكة المكرمة  أصحاب المهن   العلوم الاجتماعية