بالرغم من المذابح (أكثر من 1500 شهيد) وآلاف المعتقلين، والتعذيب الشديد ومحاصرة المدن واقتحامها وما يقارب 15 ألف لاجئ إلى الدول المجاورة، فإنّ المسيرات والمظاهرات والحركات الاحتجاجية يتسع نطاقها ويرتفع سقفها وتزيد أعدادها، وتصبح أكثر تنظيماً وقدرة على المواجهة.
عدد المتظاهرين ارتفع من بضعة آلاف هنا وهناك إلى الملايين الذين يشاركون في المسيرات والمظاهرات، وقد وطّنوا أنفسهم على الاستمرار فيها إلى أن يتدهور النظام، وتشير التقارير إلى تشكيل خلايا ومجموعات صغيرة محلية في كل منطقة بدأت تكتسب خبرة كبيرة في الاتصال والتعامل مع "الأخطبوط الأمني"، وتنوع بأدوات اتصالها بين الأساليب القديمة والجديدة.
يساهم غباء الأجهزة الأمنية في تعزيز مأزق النظام وأزمته، فحوادث التعذيب والقتل التي تحدث تزيد من سخط المدنيين وتعمّق التعاطف مع مطالب الثورة، وقصص التعذيب ترفع من منسوب النقمة على النظام.
ثمة قصص عديدة تحولت إلى معاول هدم تنزع أي رداء أخلاقي أو شرعي عن الحكم، لكن هنالك قصصا معينة تأخذ مدى إعلامياً وسياسياً وشعبياً أكبر لتوازي قصص البوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر. 
بعد قصة الطفل حمزة الخطيب، الذي تم تعذيبه ببشاعة لا مثيل لها، جاءت قصة إبراهيم قاشوش مؤلف الأهزوجة الشهيرة في ميدان العاصي بحماة "يا الله ارحل يا بشار"، التي رددها عشرات الآلاف، ونقلتها الفضائيات، وقد وجد إبراهم مقتولاً في نهر العاصي بعد تعذيب شديد واقتلاع حنجرته من مكانها على أيدي "شبيحة النظام".
اليوم أصبح إبراهيم قاشوش رمزاً من رموز الثورة، والأهزوجة انتشرت كالهشيم في النار، ترددها الحناجر في كل مكان، وأصبح ما حدث معه سبباً آخر شديد التأثير في السخط العام على النظام وجرائمه.
في المحصلة، فإنّ الرهانات على "صلابة" العود الأمني للنظام السوري بدأت تترنح، والتفكير بالحل العسكري فقط لإنهاء الاحتجاجات بدأ يتساقط سريعاً، والاتكاء على تحالف المصالح السياسية والاقتصادية أخذ يتفكك، مع بروز مؤشرات الانهيار وتبدد شرعية النظام بصورة متسارعة.
تلك الحقيقة يكشفها بالتحليل تقرير مهم نشر مؤخراً لـ "الأكونومست" بعنوان "عصر الأسد" The squeeze on Assad، إذ يرصد اتساع نطاق الاحتجاجات وتطورها وتفكك التحالفات التقليدية للحكم السوري.
أخطر وأهم ما يقدمه التقرير هو مؤشرات الوضع الاقتصادي الذي يسير في طريق الانهيار، وهو العامل الأكثر حسماً خلال الفترة المقبلة، في حال استمرت الاحتجاجات، إذ يشير التقرير إلى تراجع كبير في النشاط الاقتصادي إلى اكثر من النصف، وتضاعف نسبة البطالة، وتراجع كبير في مبيعات الشركات الكبرى، التمويل العام في مشكلة عميقة جداً، وهنالك أحاديث عن تهريب قرابة 20 بليون دولار من البنوك السورية إلى الخارج، وتحديداً البنوك اللبنانية، منذ شهر آذار الماضي فقط.
ويسرد التقرير قصصاً لرجال أعمال كبار بدأوا بالتخلي عن النظام إما بالهروب أو حتى دعم الثوار، وهو مؤشر حيوي لنجاح الثورة بتفكيك التحالفات التي يعتمد عليها النظام.
في المحصلة، ما يزال الجيش بيد الحكم السوري وتملك الأجهزة الأمنية وسائل بشعة في القتل والتعذيب والاعتقال، إلاّ أنّ مؤشرات تجاوز ذلك ونجاح الثورة ودوران ساعتها بدت واضحة خلال الأيام الماضية، وهو ما يعني سقوط أحد أكثر النظم الحديدية الدكتاتورية البشعة في هذا الوقت.. فللّه الأمر من قبل ومن بعد..

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد