منذ أحد عشر عاماً عصفت بكوكبنا أحداث جسام منها ما أوشك على ان يشطر التاريخ مرى اخرى الى ما قبل وما بعد.. كما هو الحال مع الحادي عشر من ايلول، ومنها ما هدّد تضاريس العالم السياسية باعادة الرسم وفق مقاييس جديدة، بحيث لا يعود الطول طولاً ولا العرض عرضاً ولا الشمال شمالاً ولا الجنوب جنوباً، ولأنني كنت من المشاركين منذ الدورة الاولى لمنتدى الاعلام العربي في دبي والفعاليات المصاحبة لانعقاده، فقد أتاح لي رصد المسار الذي لم يكن سهلاً في لحظة الاطلاق، فالعالم العربي كان يعاني فراغاً ما بحيث لا يتاح لهذا العدد من المشتغلين في الاعلام أن يلتقوا ويتحاوروا على مساحة خضراء، ولأن المناسبة متعلقة بهذا العام وشجونه ومجمل حراكه، فان ما أثير في المتندى من موضوعات قد لا تكفيه أيام قليلة، لكنها بمثابة قرع الاجراس والخطوط العريضة والمداخل التي تحرض على مواصلة الاسئلة، وبالتالي المساءلة لواقع عربي بلغ هذا الحدّ من التشوش والعشوائية، فالوطن العربي بعد ذلك الحراك على اختلاف بوصلاته وشعاراته وما أُنجز فيه، يعد هو ذلك الوطن الذي يعيش حالة من الاستنقاع على مختلف الاصعدة وفي مقدمتها الصعيد السياسي، فما انفجر ليس حزمة من المكبوتات المؤجلة والمزمنة فقط، بل هو المسكوت عنه لعقود، والذي كان يتفاقم في باطن المجتمع والذات العربية بانتظار قشرة رقيقة ينفجر منها البركان.

أتاح لنا نادي دبي للصحافة أن نلاحق القضايا عبر تسارعها المحموم وهي ساخنة، وكان لا بد للحوار ان يخترق حاجز التواطؤ الذي أدمنته النخب العربية، عندما ظن بعضها ان الداء عضال وان الفالج لا يعالج.

ان هذا المنتدى بمختلف مبادراته وتوفيره لمسرح الحوار لا يقدم وصفات علاجية عاجلة لمريض عربي كظم الألم طويلاً ولم يبح بما يمزق صوره وأحشاءه من احساس عميق بالعسف والاستبداد، وتغريب الناس حتى عن مصائرهم التي تُصاغ لهم بمعزل عن ارادتهم، لكن مجرد طرح الاسئلة كما هو وبلا أية مواربة هو خطوة أولى وجذرية على طريق وعر.. ومحفوف بالكمائن والأفخاخ على الجانبين.

اعترف شخصياً بأنني قلت على مسرح هذا النادي ما أردت قوله مراراً، ويشاركني في ذلك اصدقاء عديدون من المحيط الى الخليج، ولأن النوايا هي ما يحسم التوجهات أخيراً، فان نوايا حشد المثقفين والاعلاميين واتاحة الفرصة لهم كي يجهروا بما يهمسون به تتضح ولو بعد حين، وأحد عشر عاماً كافية لاختبار هذه النوايا.

لقد انحسرت وضاقت المساحات التي تتيح للعرب من مختلف أقطارهم أن يحتشدوا في مكان وزمان، وذلك لسببين على الاقل أولهما حالة الانسحاب من الحلبة والاستغراق في الشأن المحلي، وثانيهما الخوف من كشف المستور.

لقد قلت من قبل ان من ليس لديه خيل يهديها ولا مال عليه ان يسعد الآخرين ان استطاع بالنطق وهذا أضعف الايمان، لكن هناك بشراً لا يريدون من أي طرف ان يبادر ويعمل كي يتناغم مع البطالة الفكرية التي يعيشونها، وحبذا لو يأخذ التنافس شكلاً آخر، أعلى وأجدى، بحيث يكون ايجابياً وتفاضلياً وبالتالي تكاملياً ،لأن الاطروحات الآن قدر تعلقها بأحوالنا العربية لا تقبل الخصخصة، فالغضب عابر للحدود وكذلك الحراكات بمختلف ايقاعاتها.. شكراً لمن يجترحون أية مساحة خضراء كي ننقل الاختلاف من النميمة والتهامس الى السجال العلني.

يومان فقط فيهما من الاكسجين ما يكفي لمقاومة حالة التأكسد والصمت المتواطىء والاشتباك على طريقة اياك أعني واسمعي يا جارة


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور