جون ترافولتا ليس آخرهم، ولم يكن كلنتون اولهم وكذلك بيرلسكوني وعشرات من نجوم السياسة والفن، هؤلاء واجهوا دعاوى قضائية بتهمة التحرش الجنسي، بحيث اصبح هذا المرض بديلا لما كان يسمى مرض الكبار والاباطرة وهو النقرس، فما الحكاية؟
هل يؤدي فائض الاشباع والتخمة من اي شيء الى العكس؟ فالدافع بالتأكيد لدى هؤلاء ليس الحرمان. اللهم الا في الحالات النادرة اذا كان بعضهم يصطحب منذ الطفولة هواجس ونوازع من هذا الطراز.
واذا قبلنا ما يقوله فلاسفة التاريخ والحضارات فإن خريف الحضارة غالبا ما يشهد حالات من مختلف انواع الشذوذ، بسبب الفراغ الروحي والاخلاقي وغياب الكوابح الذاتية.
الرومان في خريف حضارتهم عاشوا مثل هذه الحالات وحسب ما يقول جيبون احد مؤرخي سقوط امبراطوريتهم، فقد كانوا يفرغون احشاءهم بدس اصابعهم في حلوقهم كي يعاودوا التهام الطعام.
والحضارة الغربية التي انذر باحتضارها وتدهورها عدد من ابنائها الشهود على تناقضاتها بدءا من شبنجلر ووايتهد وولسون وغيرهم، يبدو انها تندفع بقوة نحو خريف محتم رغم كل هذا المنجز التكنولوجي.
فالعالم لا يحلق عاليا بجناح فولاذي واحد. إذ لا بد من التوازن بين جناحين أحدهما علمي واخر روحي واخلاقي.
وقد يندهش الناس في العالم الثالث عندما يسمعون ان جون ترافولتا تحرش برجل او امرأة. او عندما يسمعون عن زعيم سياسي جازف بسمعته من اجل التحرش بفتاة قاصر.. فالامر يبدو غير منطقي، لكن عصرنا اعلن الطلاق البائن بينونة كبرى مع المنطقة منذ ارسطو حتى بيكون، عندما قرر ان يعتقل العقل لصالح الغرائز فالحروب التي تسمى حروب ما بعد الحداثة او الحروب الاستباقية تضع الحصان والانسان معا تحت الدبابة لا العربة وليس امامها او خلفها.
والهوة العميقة الآخذة في الاتساع بين الأغنى والأفقر والأعلم والاجهل ترشح هذا الكوكب لعدة انفجارات سياسية واجتماعية تتخطى قوتها الزلازل والبراكين لكن ما من مقياس رايختر لهذا النوع من الزلازل والانفجارات الكونية.
لقد فرّق الفلاسفة والمؤرخون مرارا بين الحضارة والمدنية فالحضارة ليست حرب نجوم أو تدمير عن بعد وليست كل هذا المنجز التكنولوجي والعمران الشاهق. إنها شيء اخر تماما، فهي تضع الكيف قبل الكم والداخل قبل الخارج ولا تخلط بين المغامرة البصيرة والمقامرة العمياء
لقد شملت قائمة من تحرشوا بفتيات قاصرات ونساء وأحيانا برجال من جنسهم رؤساء دول كبرى ونجوم مشاهير ورجال دين في بعض الأحيان.
إنها مفارقة صارخة ان يتزامن كل هذا التقدم المعرفي مع كل هذا الطغيان الغريزي في السياسة والاقتصاد والجنس |
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|