مع مبلغ المليار دولار، وقد سبقها 400 مليون أخرى، فإنّ الدعم السعودي قد وصل حدوداً قياسية هذا العام، ما يخفف كثيراً من وطأة الأزمة المالية الحالية.
للدعم المالي السعودي الأخير وقع خاص على الدولة والمجتمع في آن، إذ استطاع أخيراً رئيس الوزراء ووزير المالية وباقي الطاقم الوزاري تنفس الصعداء، والعودة قليلاً عن الخط الأحمر الذي وصل إليه العجز، وكاد يدفعنا إلى نتائج وخيمة على المديونية والموازنة العامة عموماً.
ذلك لا يعني الاسترخاء والتراخي لدى الفريق الحكومي ومطبخ القرار، إذ إنّ الأزمة المالية ما تزال قائمة من جهة، والمشكلات الاقتصادية التي نعاني منها تتجذّر، كما هي الحال مع البطالة واختلال سوق العمل، والفقر، وضعف الاستثمار، والفجوة بين عمان والمحافظات.
الأسئلة التي تحيط بمسار البرنامج الاقتصادي المطبق منذ سنوات ترتفع وتيرتها، وتكرّس ضرورة مراجعة هذا النهج ومعرفة مواطن الاختلال والخلل، والمسؤولين عن ذلك، وتقديم "جردة حساب" من قبل خبراء اقتصاديين، مع تصور لأوجه التغيير المطلوبة في هذا الجانب. في السياق، ثمة اتجاه رسمي ينظر إلى أنّ "الدعم المالي" الحالي سيساعد الحكومة على مواجهة حركة الاحتجاجات المتصاعدة في المحافظات، إذ سيجنّبها "قرارات صعبة" قد تكون لها تداعيات سياسية وأمنية مقلقة.
ما يقفز عنه ذلك الاتجاه هو أنّ هنالك ترابطا وثيقا بين الجانبين السياسي والاقتصادي، ولا يمكن الفصل بينهما بحال من الأحوال. فما آلت إليه أحوال المحافظات من أوضاع اقتصادية متردية وانتشار البطالة والفقر، والضعف الشديد في الاستثمار والقطاع الخاص هو نتيجة مباشرة للفجوة بين التحولات الاقتصادية من جهة والفجوة بينها وبين الحياة السياسية (التي ما تزال تقوم على المعادلة التقليدية) من جهة أخرى.
لذلك؛ فمهما كانت قيمة الدعم المقدّمة من الشقيقة السعودية وأي دول أخرى، فلا مناص من المسارعة في برنامج إصلاح سياسي، طالما أنّ الشريحة العظمى من المواطنين وصلت إلى قناعة بوجود "أخطاء بنيوية" في المعادلة الحالية، سياسياً واقتصادياً، سواء خرجت إلى الشارع مع قوى المعارضة، أم عبّرت عنها من خلال المزاج السياسي السائد في المحافظات، وهو سلبي محبط محتقن، بما لا يخفى على أيّ مطّلع ومراقب موضوعي!
بالعودة إلى التحولات الاقتصادية نفسها، فإنّ عنواناً مهماً من عناوين المطالبات الإصلاحية في المحافظات في الفترة الأخيرة يتمثل في إعادة النظر بالبرنامج الاقتصادي، ليس –بالضرورة- العودة إلى "النظام الريعي"، بل نحو سياسات أكثر عدالة ومراعاة للجانب الاجتماعي، غير مسكونة بالأوهام والقفزات العشوائية، وليست متلبسة بالفساد والعمولات والشبهات، وتحمي الطبقة الوسطى من الانهيار أو التراجع.ما يعزّز ضرورة التغيير، حقّاً، بالإضافة إلى الوقائع السابقة، هو أنّ "الرأسمالية المتوحشة-الجديدة" (التي تمّ تبنيها هنا) كانت سبباً مباشراً في الأزمة الاقتصادية في العديد من دول العالم، وآخرها إسرائيل، التي وإن كان لها "وضع اقتصادي" خاص، فإنّها شهدت مؤخراً تظاهرات بالآلاف احتجاجاً على ارتفاع الأسعار وتآكل الطبقة الوسطى، مفاجأة كبيرة للمراقبين حتى في الداخل هناك.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد