فور استبعاد خيرت الشاطر من سباق الرئاسة المصرية، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في مصر اختيار محمد مرسي بديلاً منه، وهو – بلا شك- مما يحق لها سياسياً وديمقراطياً، كما تفعل الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية. لكن في المرحلة الانتقالية المؤقتة في التحوّل من أنظمة استبدادية إلى ديمقراطية، فإنّ الحال مختلفة، وتفرض سلوكاً سياسياً أكثر ذكاءً بما يمكن أن يقدمه من رسائل سياسية للمراقبين والرأي العام.
الرسالة الخاطئة التي يبعث بها الإخوان تتمثل في أنّ حساباتهم ما تزال أسيرة لعقلية التنظيم والجماعة ولم ترتق بعد إلى مستوى الدولة والمجتمع، فالمهم أن يكون الرئيس منهم، سواء كان الشاطر أم مرسي، لا أهلية هذا الرئيس لموقع الرئاسة وقدراته أو حتى مدى وجود توافق القوى السياسية عليه لتجنب الألغام في الطريق المحفوفة بالمخاطر.
عقلية التنظيم تبرز بصورة أكثر قساوة في تعامل الجماعة مع مرشّح الرئاسة، عبد المنعم أبو الفتوح، وقد كان من أبرز القيادات الإخوانية، خلال الأعوام الماضية، ولم يترك الجماعة إلاّ بعد أن تجاوزت المحن، وتخلصت من نظام مبارك، وبعد أن أعلنت أنّها لن تشارك في انتخابات الرئاسة.
أبو الفتوح خالف قراراً تنظيمياً عندما قرر الترشح للرئاسة، هذا صحيح، رغم أنّ الجماعة عادت لاحقاً إلى التوجه نفسه، لكنه لم يرتكب خيانة عظمى بحق مصر، ولم يسئ لجماعته، لنجد هذا الموقف العدائي، ضمنياً من الرجل، من قبل القيادة، وهو موقف يجسّد بقوة ما نتحدث عنه من طغيان حسابات التنظيم والجماعة على الدولة، وذلك مصدر القلق من هذه الرسالة غير الذكية!
لو كانت هنالك قراءة أوسع أفقاً لدى الجماعة، فإنّ عبدالمنعم أبو الفتوح هو مرشّح قدير، وسياسي مخضرم، فهو إسلامي ما يزال إخوانياً في فكره، لن يعادي الجماعة لمصلحة المؤسسة العسكرية، وفي الوقت نفسه ليس من الإخوان، ولن تحسب أخطاؤه على الجماعة، وسيكون نجاحه، سواء مباشرة أو غير مباشرة، في رصيد الجماعة السياسي والوطني.
لو تجاوزنا "أبو الفتوح"، وكانت الجماعة مصرّة على مرشح إسلامي، فأمامها د. محمد سليم العوا، وهو مفكر إسلامي وفقيه دستوري معروف، ومن الشخصيات التي تحظى باحترام وتقدير في الأوساط الفكرية العربية. أما الإصرار على مرشّح الجماعة، فيعكس حسابات أضعف من مستوى المرحلة بكثير!
لكل تجربة خصوصيتها، لكن حزب النهضة استطاع تجاوز الألغام التي ارتطم بها الإخوان في مصر، حتى الآن، وتعامل مع المرحلة الانتقالية باحتراف شديد، سواء بالاتفاق على مرشح غير إسلامي، أو تأسيس جمعية توافقية لكتابة الدستور، أو حتى قراره بقبول مدونة الأحوال الشخصية وبعدم إضافة أي مادة جديدة في الدستور التونسي، تجعل من تطبيق الشريعة الإسلامية أمراً إلزامياً، ليفوّت على خصومه والمتخوفين منه أو أنصار النظام السابق الفرصة للانقلاب على التجربة الديمقراطية الوليدة.
على الإسلاميين أن ينتبهوا إلى مسألة مهمة! وهي أنّهم لم يدخلوا بعد في طور جني ثمار المرحلة السابقة، فما يزال الوقت مبكراً، و"من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه". نحن في مرحلة انتقالية خطرة جداً، تتطلب وعياً دقيقاً لتجاوزها وتكريس نظم ديمقراطية جديدة تطور الثقافة السياسية لدى المجتمعات، فالخطأ اليوم أكثر كلفة من أسوأ مراحل الأحكام العرفية والاعتقالات والطوارئ!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد