تحتاج النظم السياسية بلا استثناء الى عدو واحد على الاقل وان لم تجده تخترعه. اما النظم الديكتاتورية فهي بحاجة الى اختراع عدوين معا، احدهما خارجي يتآمر عليها ويتبرص بها والاخر داخلي عميل وله صلات بقوة خارجية، وحين كتب صاموئيل هانتجتون عن حاجة امريكا بعد الحرب الباردة الى اختراع اعداء جدد، فعلت ذلك لكن العدو السوفييتي العملاق والقديم جرى تفكيكه الى اعداء صغار هنا وهناك على امتداد خطوط الطول والعرض لكوكبنا.

وهناك امثلة عديدة على صناعة الاعداء التي تلجأ اليها النظم في حالة تأزيمها اما لصرف الانتباه عما يجري في داخلها او لكسب ما امكن من العطف. لكن معظم هذه الامثلة انتهت الى اخفاق مزدوج وخسرت الرهانين معا: الخارج والداخل.

المثال الاسرائيلي يعتبر من النماذج الفاقعة في هذه الصناعة، لان طبيعة التشكل الديمغرافي والسياسي لاسرائيل تتطلب الاستمرار في اختراع الاعداء، بهدف التوتير الدائم للسكان، وتحويل الدولة الى ثكنة.

وحين افرطت التربويات الصهيونية في الالحاح على عدم الخوف بالنسبة للاطفال اليهود كانت النتائج عكسية وباعتراف الكاتبة يائيل ديان ابنة الجنرال موشي ديان ففي روايتها طوبى للخائفين افتضاح سايكولوجي لفوبيا الخوف لدى عدة اجيال من اليهود اما الاعداء الضروريون لاستمرار التوتير وعسكرة الدولة فهم عرب يجاورون اسرائيل وعرب اخرون يطلق عليهم اسم القنبلة الديمغرافية الموقوتة في اسرائيل وهم المليون وربع فلسطيني الذين يعيشون في المناطق المحتلة من فلسطين عام 1948 وحقيقة الامر ان جذر هذه الصناعة وهي اختراع الاعداء هو من صميم الميثولوجيا الصهيونية. فالاخر المسمى جوييم او اممي هو عدو بالضرورة، لكنه قد يكون عدوا مؤجلا او عدوا بالقوة حسب المصطلح الفيزيائي الاخر في هذه الثقافة «الجيتوية» هو خطر دائم، لانه يهدد امتيازات العنصر المتفوق والذي ينسج حوله جيتو حتى عندما يتحول من منظمة سرية الى دولة معترف بها دوليا.

وهناك اسوار وجدران وجيتوهات تعيش وتنمو داخل الكيان البشري سواء تجسد في فرد او جماعات.

فسور الصين تحول بمرور الزمن من الاسمنت والحديد الى سور ذهني. وكذلك جدار برلين قبل ان يتداعى.

وفي اسرائيل ثمة جيتو دائم، لانه تنامى في اللاوعي وتحول الى فكرة، وهذا ما عالجه افي شلايم في كتابه الشهير عن العزلة اليهودية وهو الجدار الحديدي. ورغم المزاعم الديمقراطية للدولة العبرية الا ان نمط ديمقراطيتها كما يصفه يوري افنيري مفصل على قياس اليهود فقط، واحيانا لا يشملهم جميعا لانهم درجات، فالفلاشا مثلا والشرقيون او «السفرديم» هم من يطلق عليهم يهود اليهود.

ان صناعة الاعداء مهنة امبراطورية بامتياز او اختراعهم بشكل موسمي فهو حيلة تلجأ اليها النظم الديكتاتورية


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور