ضيّق العرب المعاصرون عدة مفاهيم كانت تتسع لكل شجونهم، بدءاً من مفهوم المقاومة الذي أصبح بسعة بل بضيق فوهة مسدس أو بندقية وانتهاء بالثورة التي صارت مجرد حراك عاصف ضد نظام أو دولة.
مفهوم المقاومة أوسع بكثير من ذلك، لأنه يشمل مناحي الحياة كلها، فالمدرس الذي قرر في بريطانيا أثناء الحرب أن يواصل التدريس بعد ان تحولت مدرسته الى أطلال مقاوم.
والمتفرجون في باريس على مسرحية الذباب لسارتر عندما قصف المسرح وقرروا الاستمرار في الهواء الطلق مقاومون. والاسكافي الفرنسي الذي لم يكن له حول أو قوة في تجنيد ابنه أثناء احتلال الجزائر فقرر عدم اصلاح أحذية الجنود مقاوم أيضاً لكن على طريقته. وفي فلسطين خلال الانتفاضة تحولت علاقات ومفاهيم بحيث دخلت الى عالم المقاومة وثقافتها منها مواقف أصحاب العقارات من المستأجرين، وتجار الجملة، لكن سرعان ما عاد كل شيء الى ما كان عليه بعد توقف الانتفاضة.
وفي مصر انخفض منسوب الجرائم خلال حربي 1967 و1973 الى ما دون الحدّ الأدنى لأن الناس ومنهم حتى الشواذ يشعرون بالحرج عندما تقع بلدانهم في الخطر ويرون آخرين يموتون دفاعاً عن حقهم في الحياة وبعكس ذلك، أدت حالات الخمول السياسي والاستنقاع الاجتماعي والبطالة الى مضاعفة منسوب الجرائم، لأن البوصلة الوطنية أصابها العطب، ولأن المثل القائل إذا غرق المركب خذ منه خشبة أو إذا سقط بيت أبيك خذ منه ولو حجراً، يوضح وعلى نحو عميق سايكولوجية المهزومين، فإن ما جرى في فترات الخمول والاستنقاع شجع الناس جميعاً على اقتراف ما كانوا يخجلون أو يترددون في اقترافه.
واذا كان مفهوم المقاومة أوسع من فوهة بندقية أو مسدس فإن مفهوم الثورة أشمل من المطالبة باسقاط رئيس أو نظام، ويبدو أننا لا نستطيع أن نرى أو نفكر إلا ببعد واحد من مشهد بانورامي, وهناك مشاهد تكررت في الحراك العربي يتعذر علينا اهمالها، منها اشراك أطفال دون الخامسة في الحراك، كأن تعصب رؤوسهم شعارات أو يرددون عبارات لا يفهمون مفردة واحدة منها.
ان المفرادات والمصطلحات المتعلقة بالمقاومة والثورة ليست أبقاراً مقدسة أو حجارة كريمة بحيث يحظر على الناس مناقشتها.
فالمقاومة أوسع من كل هذه التعريفات الضيقة وكذلك الحراك الانساني والثورات وما قلناه ومراراً ولا نتردد في تكراره هو أن ما ينبغي اسقاطه ليس أشخاصاً أو رموزاً فقط، فهؤلاء يعودون أو يعاد انتاجهم في كل زمان ومكان.
ما ينبغي اسقاطه هو جملة المفاهيم والسياقات وأنماط التفكير التي أفرزت هؤلاء لأنها اذا بقيت تمارس نفوذها فهي قادرة على اعادة افرازهم وربما بشكل أشد قسوة وتنكيلاً
فالمقاومة لا تقبل القسمة على نمطين من التفكير أحدهما تقليدي وداجن والآخر مقاوم وكذلك الثورات | |
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|