الحمد لله الذي بفضله ونعمته تتم الصالحات وتنال الفضائل والبركات والصلاة والسلام على
سيد السادات وخير البريات ... وفخر الكائنات ... وعلى آله وصحبه ذوي المكرمات ... وبعد:
بالأمس كان الإفطار حراماً ... واليوم أصبح الصيام حراماً ... فمن الذي حرم إفطار الأمس وصيام اليوم ؟ إنه الله الذي بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله سبحانه وتعالى ...
العيد كلمة حلوة وجميلة يطرب لها الكبار ويهش لها الصغار ...
والعيد مأخوذ من العود والتكرار ... فهو يعود ويتكرر في كل عام مرتين ...
وسمي العيد بهذا الاسم لأن لله فيه عوائد خير وإحسان على عباده ...
ويوجد عندنا في الإسلام عيدان: عيد الأضحى وهو أفضل وعيد الفطر ... وهناك عيد ثالث يتكرر كل أسبوع وهو يوم الجمعة ، وليس للمؤمنين في الدنيا إلا هذه الأعياد الثلاثة.
 أما ما سوى ذلك فهي مناسبات دينية ووطنية وذكريات تاريخية ...
وأيام العيد هي أيام طعام وشراب ... ولذلك يحرم صيامها ...
مشروعية العيد:
الأعياد من شعائر الإسلام الظاهرة ... فالعيد مظهرٌ من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره
العظيمة التي تنطوي على حكم عظيمة، ومعانٍ جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.
العيد في الإسلام سكينةٌ ووقارٌ، وتعظيمٌ للواحد القهار، وبعدٌ عن أسباب الهلكة ودخول النار. والعيد مع ذلك كله ميدان استباق إلى الخيرات، ومجال منافسة في المكرمات.
ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كلَّ واحدٍ من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالُها الخطير في الروحانيات، ولها خَطَرُها الجليل في الاجتماعات، ولها ريحُها الهابَّةُ بالخير والإحسان والبر والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية التي لا تكون الأمةُ صالحة للوجود، نافعة في الوجود إلا بها.
هاتان الشعيرتان هما شهر رمضان الذي جاء عيدُ الفطر مِسك ختامِه، وكلمة الشكر على تمامه، والحجُ الذي كان عيدُ الأضحى بعض أيامه، والظرف الموعي لمعظم أحكامه.
أعياد المؤمنين
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال:
" إن الله أبدلكم يومين خيراً منهما؛ يوم الفطر ويوم الأضحى"
رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه والبيهقي بسند صحيح
عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ...
وجدهم يلعبون في يومين ، فقال: ما هذان اليومان ؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية ،
وكانوا يحتفلون بعيد النيروز وهو عيد فارسي كردي ويسمى عيد الربيع ( في شهر آذار مارس ) ويوم المهرجان ... قال: قد أبدلنا الله خيرا منهما عيد الأضحى وعيد الفطر ...
فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.
والعيد شعيرة من شعائر الإسلام ومظهر من أجل مظاهره..
قال تعالى: ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32.
وقوله لأبي بكر رضي الله عنه وقد انتهر جاريتين في بيت عائشة تنشدان الشعر يوم
العيد: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وإن اليوم عيدنا.
حكمة العيد:
ومن حكمة الله تعالى في العيدين ... أن جعل كل عيد مرتبط بفريضة وفيه صدقة للفقير لتعم الفرحة الجميع ... فعيد الأضحى يأتي بعد فريضة الحج وفيه الأضحية ... وعيد الفطر يأتي
بعد فريضة الصيام وفيه صدقة الفطر ...
فرحة العيد: للصائم فرحتان يفرحهما: فرحة عند فطره ... يفرح بفطره ... وكلمة فطره تحتمل أمرين: فطره اليومي ... وفطره في آخر الشهر ... في يوم عيد الفطر ...
وفرحة عند لقاء ربه ... يفرح بلقاء ربه ... ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )
وحتى يكون العيد عيداً ... فينبغي أن تعم الفرحة الجميع وتدخل في كل قلب ... وتكون عاملا مشتركا أكبر بين جميع أفراد الأمة الإسلامية ... وأي عيد يفرح فيه قوم ويبكي فيه آخرون ... هو مأتم في السماء وليس عيدا ...
ولذلك حاول أن تدخل الفرح والسرور إلى قلب كل مسلم ... فإن من أحب الأعمال إلى الله تعالى إدخال السرور على قلب المسلم ... ولا سيما إذا كان يتيما أو فقيرا أو مسكينا أو منكوبا أو محزونا ...
وإذا أردت أن تتم الفرحة لأولادك في العيد فادخل الفرحة إلى قلوب أولاد جيرانك ...
حتى تتم الفرحة لأبنائك ... فيلعبوا جميعا ويفرحوا بالعيد جميعا...
لمن العيد:
أخي الحبيب: العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بخالقهم ومولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بفضله ومغفرته، كما قال تعالى:
( قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ))يونس:58(
فالعيد لمن أطاع الله، والحسرة لمن عصاه! العيد لمن أحسن في نهاره الصيام، وأحيا ليله بالقيام. العيد لمن سهر على تلاوة القرآن، لا على الأغاني والألحانن.
قال بعض السلف: ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه.
إخواني، ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعته تزيد.
ليس العيد لمن تجمّل باللباس والمركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب.
ليس العيد لمن حاز الدرهم والدينار إنما العيد لمن أطاع العزيز الغفار.
ليس العيد لمن لبس الجديد ... إنما العيد لمن أطاع رب العبيد وخاف وعيد وعمل ليوم الوعيد
ليس العيد لمن لبس الثياب الفاخرة ... إنما العيد لمن عمل وخاف الآخرة ...
العيد لمن صلى وصام وأطاع الملك العليم العلام ... واتبع سيد الأنام ومصباح الظلام عليه الصلاة والسلام ...
العيد لمن قبل صومه وغفر ذنبه ...
إن يوم العيد يوم فرح وسرور لمن طابت سريرته، وخلصت لله نيته.. ليس العيد لمن لبس
الجديد وتفاخر بالعدد والعديد.. إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد واتقى ذا العرش المجيد..
وسكب الدموع تائبا رجاء يوم المزيد..
أكل الحلال
قال أبو بكر المروزي: دخلت على أبي بكر بن مسلم يوم عيد، وقدّامه قليل خرنوب يقرضُه!
فقلت: يا أبا بكر! اليوم عيد الفطر وأنت تأكل الخرنوب؟! فقال: لا تنظر إلى هذا، ولكن انظر
إن سألني من أين لك هذا؟ أي شيءٍ أقول؟
غض البصر
قال بعض أصحاب سفيان الثوري: خرجت مع سفيان يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في
يومنا هذا غض البصر.
ورجع حسان بن أبي سنان من عيد فقالت له امرأته: كم من امرأة حسناء قد رأيت؟ فقال:
ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت إلى أن رجعت!!!
مغزى العيد:
دخل رجل على سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... في يوم عيد الفطر ... فوجده يأكل طعاما خشنا ... فقال له: يا أمير المؤمنين ... تأكل طعاما خشنا في يوم العيد ... فقال له الإمام علي كرم الله وجهه: اعلم يا أخي ... أن العيد لمن قبل الله صومه وغفر ذنبه ... ثم قال له: اليوم لنا عيد وغدا لنا عيد وكل يوم لا نعص الله فيه فهو عندنا عيد ...
وقال الحسن: كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه
وذكره وشكره فهو له عيد.
وقال الشاعر الإسلامي الكبير وليد الأعظمي رحمه الله تعالى:
العيد  أقبل يا (وليد) فلا تكن
مـا  العيد إلا أن نعود لديننا
مـا الـعيد إلا أن ير قرآننا
مـا الـعيد إلا أن نكون امة
مـا  العيد إلا أن نعدّ نفوسنا
مـا العيد إلا أن تكون قلوبنا
 
 
 
 
فـرحاً به أبداً فما هو عيد!!
حـتـى يعود نعيمنا المفقود
بـيـن الأنـام لواؤه معقود
فـيـها محمد لا سواه عميد
للحرب حيث بها هناك نجودُ
نـحـو الـعدو كأنها جلمود
عبرة العيد:
الخليفة العادل الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه ... رأى ابنه عبد الملك في ثياب رثة في يوم العيد ... فبكى عمر رضي الله عنه ... فلاحظ ابنه البار ذلك ... فقال له: ما يبكيك يا أبتاه ؟ فقال له أبوه الرحيم: أخاف أن تخرج يا بني في هذه الثياب الرثة إلى الصبيان لتلعب معهم فينكسر قلبك ... فقال الابن البار لأبيه الرحيم: إنما ينكسر قلب من عصى مولاه وعق أمه وأباه ... وأرجو أن يكون الله راضيا عني برضاك عني يا أبي ... فضمه عمر إلى صدره وقبله بين عينيه ودعا له ... فكان ازهد أولاده ...
يوم الجائزة:
وورد أن الملائكة تنزل في صبيحة يوم عيد الفطر تقف في أبواب الطرق وتنادي يا
أمة محمد: اغدوا إلى رب كريم يمن بالخير ثم يعطي عليه الجزيل.. لقد أمرتم بصيام
النهار فصمتم وأمرتم بقيام الليل فقمتم وأطعتم ربكم ... فارجعوا مغفوراً لكم ...
ويسمى هذا اليوم في السماء بيوم الجائزة ...
لقد منَّ الله على المسلمين بيومين في كل سنة؛ يفرحون بهما بما أفاء الله عليهم من
نعم وفضل. ففي عيد الفطر يفرح المؤمنون بإكمال صومهم، وتوفيق الله لهم في قيام
شهرهم؛ وفي عيد الأضحى يفرحون بحجهم، ويتذكرون ما سلف من تاريخهم،
فيكثرون من عمل الخيرات، وتقديم القربات والمساهمة في المبرات، يدفعون عن
الفقراء غوائل الفقر وكارثة العوز.
بارك الله للمسلمين عيدهم، ومكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.
وكل عام وأمتنا العربية والإسلامية بخير ونصر وعزة وازدهار

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع