رغم أن الأحداث الجسام التي يعيشها العرب الآن تشغل العالم وقد يترتب عليها صياغة مصير لأمة بأسرها، إلا أننا نتردد أحياناً في الاقتراب منها وثمة من يلوذون بأحداث أقل فاعلية وتأثيراً كيلا يتورطون بالمساحة الحرجة بين إرهابين: إرهاب رسمي له مؤسساته وأدواته، وإرهاب آخر قد لا يكون معلناً على الملأ لكنه يتسلل خلسة في السجالات السياسية اليومية بدءاً من الشارع والمقهى حتى الكتابات والتعليقات الجوبلزية التي تحتكر الحقائق وتنذر من يختلف معها بما هو أبعد من التخوين، وأبسط أبجديات الديمقراطية اذا كان لها وجود في هذا الواقع الذي يعج بصراعات قبلية وكيدية هو حق ابداء الرأي فيما يجري وتتبع الخيوط نحو جذورها، فالسيناريو بات متكرراً ومملاً، لأن السينارست هو ذاته وقد أركن الى استراتيجية بائسة تراهن على عمى الضحايا وجهلها وأحياناً على اشتباكاتها المحلية.

والميديا المشحوذة كالمدية هي الأخرى تقترب من أعناق من يصرون على التفكير بالدماغ لا بالقلب، فهي بالمرصاد لمن تسول له نفسه أن يتمهل ولو دقيقة لقراءة هذا النص العربي الغامض، والملغوم من ألفه إلى يائه..

في بداية الدراما العربية تساءلنا: هل هو ربيع شعوب أم شيخوخة نظم ودول ومفاهيم أفقدها التاريخ صلاحيتها؟ وهناك من زجرونا بأدوات القمع ذاتها المستعارة من النظم الشائخة قائلين: لا تهم التسميات وذلك انسجاماً مع عقل سياسي أدمن الشخصنة وتفزعه المفاهيم، لأنه يتعامل مع الواقع بحواسه فقط وعلى نحو مباشر، فلا يرى ما وراء الاكمات والسيناريوهات وكواليس المؤتمرات، وقد يكون فائض المكبوتات بدءاً من الجسد حتى كل مكونات النفس مسؤولا عن حالة الهياج والتفجر ورفع شعار شمشوني قد لا يبقي ولا يذر وهو «عليّ وعلى أعدائي».

لكن من هم هؤلاء الأعداء؟ فقد جرى استبدالهم، وأعيد ترتيب الأولويات بحيث لم نسمع أحداً يقول أريد الحرية والاستقلال وبناء الانسان والوطن كي أقاوم عدواً تاريخياً وجذرياً سلب الأرض والمقدسات والكرامة واستباح الكينونة العربية كلها.

وتساءل بعض الملدوغين من جحور سياسية وموسمية عن فلسطين في هذا المشهد.. وبحثوا عن شجرة خضراء في هذا الربيع تحفها أو عن سنونوة واحدة تبشر بربيعها.

ان كان الرهان.. «تحبل ولو من حمار» أو «عليّ وعلى أعدائي يا رب» أو «لا تفكر فإن لها مدبراً» فتلك مسألة أخرى، نعفّ حتى عن الاقتراب منها.

فهل كان قدرنا أن ننقسم دائماً بين من يحتكرون السلطة والمال والقرار وبين من يحتكرون الألم والأنين؟

إنها ديمقراطية جهجونية تليق بغساسنة العصر ومناذرتهم


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور