وفقاً لما نقله موقع البوصلة الالكتروني عن الشيخ عبد الطحاوي، أحد قياديي السلفية الجهادية في الأردن، فإنّه نفى وجود "جهاديين أردنيين في سورية" (في حلقة من برنامج "صناعة الموت" الذي يبث على قناة "العربية"). وهو تصريح فيه ذكاء سياسي، نتمنى أن يتكرّس ذلك على الأرض بإصدار توجيهات ودعوات للشباب المتحمسين من أبناء هذا التيار وغيره بعدم الذهاب إلى سورية للرد على المجازر التي تحدث.
قبل ذلك، كان الزميل تامر الصمادي قد رصد -في تقرير مطول في صحيفة الحياة اللندنية- المناظرات التي تتم داخل السلفية الجهادية الأردنية، ما بين فريق يؤيد الذهاب إلى سورية للقتال هناك ضد النظام الطاغي، ومن يرون بأنّ هذا تكرار للخطأ، عندما تم توظيف أبناء هذه الجماعات والحركات في صراعات دولية وإقليمية تدار بالوكالة.
نأمل أن يتم تعميم حديث الطحاوي على كل أفراد السلفية الجهادية ومؤيدي "القاعدة" والشباب المسلم المتحمس في العالم أجمع، ليس فقط بنفي وجودهم في سورية، بل بمنع ذلك، وحتى تحريمه، لأنّ ما يترتب عليه من مفاسد أكبر بكثير من المصالح المتوقعة لدى هذه الجماعات.
المستفيد الأول من هجرة الجهاديين إلى سورية هو النظام السوري نفسه، الذي بدأت ماكينته السياسية والإعلامية ببث دعاية مواجهة الجماعات الأصولية المسلّحة منذ اليوم الأول، في محاولة لتشويه الصورة الحقيقية لنضال الشعب السوري من أجل حقه في تقرير المصير والحرية والكرامة. ووصول هؤلاء الشباب إلى هناك هو أكبر خدمة يمكن أن تزجى للنظام السوري اليوم لإخراجه من مأزقه.
من يعمل على استنبات "القاعدة" واستدراج الشباب إلى الساحة السورية هو النظام السوري نفسه. وليس مستبعداً أن يكون بعض من التصرفات المعادية للدين وللسنة، التي يتم تهريبها إلى الإعلام، مقصودا بحد ذاته بعد أن تأكد النظام الأمني هناك من فقدان الشرعية السياسية مع الأغلبية السنية، في محاولة لحشد الطائفة العلوية وراءه، وإجبارها على الالتحام معه في "معركة وجودية".
سيرد البعض بأنّه لا بديل أمام الثورة السورية في سياق تخاذل المجتمع الدولي والعرب عن حماية المدنيين، سوى بناء توازن الرعب في الداخل، من خلال تسليح الثورة وفتح الحدود للجهاد، لإيقاف آلة القتل والتدمير والعدوان الهمجي الذي لا يرحم.
هذا المنطق، وإن كان يبدو واقعياً، ويذهب مباشرةً نحو اللغة الوحيدة المفهومة لدى النظام، أي القوة المسلحة ولا شيء غيرها، إلاّ أنّ قدراً أكبر من التفكير فيه سيظهر مدى تهافته والفجوات الواضحة فيه. إذ (أولاً) ليس صحيحاً أنّ هنالك إمكانية لبناء توازن رعب داخلي، فهذا بمثابة أمر مستحيل، حتى لو تحول المجتمع السني بأسره إلى حاضنة لهذا العمل، وهذا مستبعد لظروف مختلفة؛ إذ إنّ أغلب الحدود ما تزال مغلقة، والنظام يمتلك تحالفات إقليمية كبيرة، وإسناد عسكري روسي، بينما الشعب السوري محاصر ويعاني الأمرّين، فهو سيناريو غير ممكن وقوعه.
(ثانياً) وهو الأهم، أنّ أجندة "القاعدة" والجماعات المسلحة لا تذهب نحو الديمقراطية، وخطابها السياسي سيجذّر إرهاصات الحرب الأهلية والفتنة الطائفية، وهو ما نسعى إلى الحيلولة دونه بكل قوة. إذ المطلوب ليس تحويل سورية إلى ساحة مفتوحة للقتل على الهوية بين فئات الشعب، بل الإصرار والإصرار على شرعية الثورة ونقائها وبياضها الناصع عبر التأكيد على السلمية والديمقراطية وحق تقرير المصير.
للجيش الحر شرعية لا غبار عليها، فهم أبناء الوطن الذين رفضوا توجيه السلاح ضد شعبهم، وحولوه للدفاع عنه، وهو سياق لا يتناقض مع سلمية الثورة وشرعيتها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد