على الأغلب، لا يخرج إعلان النظام السوري عن مقتل بعض المقاتلين الجهاديين العرب وعرضه صورا لمن قال إنهم قتلى عن تلك الأفلام المفبركة التي قدّمها سابقاً وزير الخارجية، وليد المعلّم، قبل أن يفضح أمرها، ويدين النظام نفسه بنفسه، وهو ما سيحدث غالباً مع قصة "أبو البراء الأردني"، إذ تشير مصادر موثوقة أنّ القضية لا أساس لها من الصحة، وسيظهر ذلك قريباً!
وإذا كنا لا نستطيع قبول الرواية السورية الرسمية إلى الآن، بخاصة أنّها منذ بداية الأحداث تبث الدعاية بتسرب "القاعدة"، إلاّ أنّ المتابع للمواقع الإلكترونية الجهادية يقرأ جيّداً النداءات الحركية للنفير العام لنصرة الشعب السوري المظلوم، وهي حالة شبيهة بما وقع سابقاً في البوسنة والهرسك والشيشان والعراق وأفغانستان.
بدأنا نسمع هذه الدعوات بوضوح، في الأيام القليلة الماضية، سواء في دعم الظواهري بالأمس للثورة، وهو الموقف ذاته للطحاوي (أحد الجهاديين الأردنيين)، أو إعلان د.همام سعيد، المراقب العام لإخوان الأردن "أنّ الجهاد واجب شرعي في سورية" (بالرغم من تأكيد أمين سر الجماعة، جميل أبو بكر أنّه موقف شخصي).
يعزز هذه الهواجس ما حدث في طرابلس بلبنان (قبل يومين) من مواجهات طائفية هي بمثابة ألعاب نارية لسيناريو الانفجار الإقليمي الطائفي، وهي تداعيات تأخذ أبعاداً أكثر خطورة في العراق، ما يعني أنّنا على مدخل "نفق مظلم".
الحل اليوم بيد الرئيس السوري؛ فهو من يملك القرار بإنقاذ وطنه من الانزلاق إلى سيناريوهات الفوضى والاقتتال الداخلي والاستنزاف الإنساني والاقتصادي والاجتماعي والرمزي. وهو من يقدر أن ينهي هذه المطحنة البشرية بإعلانه الاستعداد للتنحي، والتمهيد لمرحلة انتقالية توافقية لسورية تكون وطناً للجميع، بروح ديمقراطية ونظرة إلى المستقبل.
لا توجد أي ذريعة أمام الرئيس لعدم اتخاذ مثل هذا القرار، فسورية لم تولد به ولن تنتهي به. وإذا كان حريصاً فعلاً عليها، فعليه أن يفتح الباب لسيناريو مختلف عن السيناريو المرعب الذي تنسج خيوطه اليوم.
إنها الفرصة الأخيرة، وإذا كان الأسد مصرّاً على أنّ ما يحدث هو مؤامرة كونية، فهو -بما يرتكب من مجازر ويسفك من دماء- يسهّل هذه المؤامرة، ويسير بوطنه نحو الكارثة. بيده الآن أن يضع مداميك لمرحلة جديدة، ويخرج من المشهد قبل أن يصل إلى لحظة لا يمكنه فيها الخروج.
لو تخلّى الرئيس عن المكابرة والإنكار، وفكّر قليلاً، لأدرك أنّه لا يمكن أن يسلم بعد هذه الدماء، وأنّ الحل الوحيد أمامه هو التخلي عن الحكم، والاتفاق مع حلفائه الإقليميين لعقد صفقة مع المجتمع الدولي لانتقال سلمي للسلطة؛ فما حدث في حماة 1982 لا يمكن أن يتكرر اليوم، فشروطه مختلفة والعالم تغيّر، وما دفعه الشعب من تضحيات تنوء الجبال عن حملها بمثابة تأكيد أنّه لا رجعة!
أيها الرئيس: ما يزال طرف الخيط في يديك.. أنقذ شعبك ودولتك وأسرتك قبل الطوفان!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد