بدأت نخبة من رجال الأعمال الكبار وشخصيات مؤثرة في القطاع الخاص بالإعداد –جديّاً- لمشروع "بيت خبرة" (Think Tank) لتلمّس حالة القطاع الخاص وسط المناخات السياسية والإعلامية والاجتماعية، والبحث عن وضع مداميك العلاقة السليمة الصحيّة مع الدولة والمجتمع.
الفكرة التي تغطس وراء هذا التوجه تكمن في أنّ السنوات القليلة الماضية شهدت عملية "شيطنة" للقطاع الخاص في الأردن، من خلال وسمه بالجشع والفساد وعدم المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والوطنية، وربما ذهب البعض إلى تحميله المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية الراهنة والمعاناة اليومية للشريحة الاجتماعية العريضة غير القادرة على التكيف مع الضغوط الاقتصادية الحالية.
بالطبع، هذه الدعاية وجدت لها سوقاً إعلامية وشعبية نتيجةً للفساد الناجم عن تزاوج المنصب العام والبزنس حدث خلال السنوات الماضية، وغياب الشفافية والمساءلة في إدارة الملفات الاقتصادية من جهة، وعن حالة الفوضى والتخبط في العلاقة بين هذا القطاع الحيوي والدولة، وعدم وضوح مفهوم المسؤولية الاجتماعية من جهة أخرى.
إلاّ أنّ التعميم القاتل، وخلط الحابل بالنابل، ويدخل في ذلك، أيضاً، مسايرة رجال الدولة لهذا الخطاب الإعلامي، فيه ظلم وقفز عن أهمية القطاع الخاص ودوره والنتائج الإيجابية التي حقّقها خلال السنوات الماضية، وعن نخبة كبيرة من رجال الأعمال والاقتصاديين الناجحين، وعن آلاف فرص العمل التي تمكّن هذا القطاع من توفيرها، وعن طبقة وسطى صاعدة تشكّلت عبر توسع هذا القطاع الحيوي خلال الأعوام الماضية.
جزء كبير من المسؤولية عن هذه "الصورة النمطية" يتحمّلها رجال الأعمال أنفسهم الذين لم يعملوا على تقديم صورة إعلامية صحيحة لهم، ولم يسعوا إلى بناء مفهوم "المسؤولية الاجتماعية" لهذا القطاع، ما يقلب الصورة الدارجة حالياً. إذ بالضرورة، لا يتحمل رجال الأعمال والقطاع الخاص عموماً المسؤولية عن الفساد والأخطاء التي رافقت عملية الخصخصة، فهذه مسؤولية سياسية –حصرياً- تقع على كاهل الحكومات ومؤسسات القرار المعنية، فهي التي رسمت السياسات وفصّلتها، وعن التهرب الضريبي، وعدم القدرة على بناء آليات لتقليصه.
إذن، توجّه رجال الأعمال والاقتصاديين إلى إعادة قراءة المشهد السياسي والتفكير في طبيعة الدور المطلوب منهم، يفتح الباب واسعاً على إعادة تنظيم العلاقة بين القطاع الخاص والدولة والمجتمع، وتحديد خطوط الاشتباك والتماس بين المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والوطنية ومشروعية الربح والاستثمار، التي تساهم –في نهاية اليوم- في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية والتطور، وخلق فرص عمل جديدة.
قيمة هذا التوجه الجديد أنّه يسلّط الضوء على الاستثمارات المحلية وما يمكن أن تقوم به من أدوار مختلفة، ويضعنا أمام الوجه الآخر لـ"العملة" أو الصورة المشرقة الإيجابية للقطاع الخاص، في سياق ما يمكن أن نطلق عليه "الليبرالية الناعمة" أو الاجتماعية، إذ أثبتت المرحلة الماضية أنّ الليبرالية المتطرفة تهز الاستقرار الاجتماعي والتوازنات المطلوبة، حتى في ديمقراطيات عريقة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، مع صعود حركة "احتلوا وول ستريت".
نحن أمام معادلة جديدة، تتطلب عقداً اجتماعياً مختلفاً يشارك الجميع في صوغه، ويتم فيه توزيع الأدوار. فالدولة اليوم لن تتمكن وحدها من تمويل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، فثمة ضرورة ملحّة أن يقوم القطاع الخاص بالمشاركة في هذه المسؤولية، عبر الأوقاف والتبرعات، كما هي الحال في العالم. والقاعدة التي يجدر برجال الأعمال تذكرها دوماً أنّ استمرار هذا القطاع ونجاحه رهين ليس فقط بقدرته على الربح، بل بتعميم الفائدة وتكبير حجم الكعكة!
المراجع
الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد