رئيس جامعة حكومية يؤكّد أنّه في نهاية كل شهر يكون الهاجس الرئيس لجامعته هو كيفية تأمين رواتب العاملين فيها. هي -في الحقيقة- ليست الجامعة الوحيدة، بل أغلب جامعاتنا تعاني أزمات مالية خانقة؛ فكيف نتوقع من القائمين عليها أن يتفرّغوا للاهتمام بتطوير البحث العلمي والتدريس والشؤون الإدارية الأخرى؟!
منذ سنوات، دقّ الخبراء والحكماء جرس الخطر. تحدّث د. محمد عدنان البخيت ود. كامل العجلوني، قالا لنا: "ايها السادة، إنّ التعليم العالي في الأردن يحتضر". عقدنا الخلوات تلو الخلوات، ووضعنا الاستراتيجيات، لكننا بقينا نتلاعب بمستقبل الوطن، يجرّب كل وزير تعليم عال أفكاره عليه، وفي أحيان كثيرة نمنح موقع الوزير والمواقع القيادية في الجامعات، بحسب ميزان المحاصصة العشائرية والجغرافية والترضية الشخصية، وكأنّها قضية هامشية لا تستحق منّا أن نجعلها هاجسنا الوطني الأساسي!
كيف ننقذ مستقبل الوطن؟.. هذا هو السؤال الجوهري والهاجس الحقيقي؛ إذ لا يمكن أن نفكّر إلى أقصر مدى للأمام من دون أن نضع تحدي تطوير البحث والتعليم والمعرفة والخبرات الوطنية المؤهلة في الاجتماع والعلوم الإنسانية والطاقة والجيولوجيا والجغرافيا؛ فهل هنالك دولة تفكر في المستقبل بدون أن تهندس التعليم والتعليم العالي وتمنح البحث العلمي الأهمية القصوى؟!
تقرير حركة ذبحتونا يقرع للمرةّ الألف جرس الإنذار عندما يتساءل بسخرية: هل تريد الجامعات الأردنية أن تدخل موسوعة غينيس لأكبر عدد مشاجرات جامعية؟! ويرصد التقرير عدد المشاجرات وطبيعتها، محذّراً أنّ ما تم رصده فقط خلال أسبوعين هو 14 مشاجرة كبرى في الجامعات، امتد أغلبها إلى خارج الأسوار لتتحول إلى كارثة حقيقية. فخلال هذه الفترة المحدودة فقط، وصل عدد المشاجرات إلى نصف عدد مشاجرات العام الماضي!
نحن ما نزال نسير إلى وراء! وللأمانة، فقد اطلعت على بعض التسجيلات المصورة على موقع "يوتيوب" لمثل هذه المشاجرات، فما يحدث يندى له الجبين. باختصار؛ برغم كل الحديث عن إصلاح التعليم وإنقاذه، لا توجد إرادة حقيقية لذلك، فما نسمعه كلام في كلام، واستهتار بالوطن ومستقبله وبمصير الجامعات!
قالوا: سنضع حدّاً للعنف في تفعيل العقوبات؛ لم يحدث ذلك، فأغلب الجامعات تراجعت عن عقوباتها وخضعت للوصاية الرسمية وجاهات النواب والمسؤولين الكبار، ولمنطق الاسترضاء البائس!
قالوا: سنضع حدّاً للتدخل الأمني الذي دمّر الجامعات، لم يحدث ذلك، بل ما يزال الأمن يتدخل في التفاصيل كافة، من العمل الطلابي والسياسي إلى التقارير الأمنية، وفي شؤون الأنشطة الثقافية والعلمية، وحتى في تعيين الأساتذة ومواقع إدارية أصبحت أقرب إلى "الملحقات الأمنية".
قالوا: سنعيد النظر في أسس القبول والتعيين لتحقيق العدالة، ولتخفيف الضغط على مرافق الجامعات، وما حدث العكس تماماً! فقد أرهقت الجامعات هذا العام تحديداً بآلاف الطلبة الجدد خارج القبول الموحّد، وتعيين الطاقم التعليمي والإداري يتم عبر المحسوبيات والواسطات!
كيف ننقذ الجامعات إذن؟ الجواب واضح وبسيط، لكن الداوء مرّ وصعب. الخطوة الأولى، شكّلوا مجلساً لإنقاذ التعليم في الأردن، من الخبرات الحقيقية والرجالات القادرين على اتخاذ القرار وتحمل مسؤوليته، ولتكن لهذا المجلس الوصاية على كافة شؤون التعليم.
نحن بحاجة إلى مجلس إنقاذ التعليم العام أكثر من حاجتنا إلى حكومة إنقاذ وطني. والأسماء هنا معروفة للجميع، من القامات الأكاديمية.. أنيطوا المسؤولية بهم، وأعطوهم السلطات المطلقة خلال الأعوام المقبلة، لاختيار رؤساء الجامعات ووضع الخطط الاستراتيجية والتنفيذية لإنقاذ التعليم، أو علينا الانتظار حتى تقع الكارثة المحققة. يا صانع القرار: أنقذ مستقبل أبنائنا!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد