زيارة الملك لرام الله أمس هي الثانية منذ تسلمه الحكم. ويفصلها عن الأولى عقد من الزمن، ما يعني أنّ هنالك دلالات سياسية تتوارى وراء السبب المعلن، وهو "دعم السلطة الفلسطينية".
تشير مصادر سياسية رفيعة إلى أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس مصرّ هذه المرّة على الاستقالة، أو حلّ السلطة الفلسطينية، وعلى المصالحة مع حركة حماس، ما يعني أنّ هنالك تطورات مفاجئة قد تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بخاصة بعد أن تراجع زخم العملية السلمية واصطدمت الموافقة الدولية على الدولة الفلسطينية بـ"الفيتو" الأميركي، فيما تبدو "التسوية السلمية" اليوم في ذيل اهتمامات الأجندة الدولية في المنطقة.
رغم الهدوء الذي يسود الأراضي الفلسطينية، إلاّ أنّ هذا ما يبدو على "السطح السياسي"، فجمود التسوية السلمية يؤثر كثيراً على السلطة والأوضاع هناك، وهو ما يثير القلق لدى "مطبخ القرار" في عمان، وتحديداً في الأشهر القليلة المقبلة، التي تشهد "عواصف إقليمية" عاتية مع الربيع الديمقراطي العربي.
في الشمال أيضاً تتجه الأوضاع في سورية سريعاً نحو الانفلات الأمني والعسكري، مع إصرار الرئيس الأسد على المواجهة، وهو ما قد يؤدي إلى "سيناريوهات" إقليمية بعد فشل مبادرة جامعة الدول العربية وارتفاع منسوب الانشقاقات العسكرية وظهور العمل المسلّح بصورة أكثر وضوحاً ضمن ديناميكية الثورة السورية، وصعود لغة عدائية واضحة من المسؤولين السوريين وحلفائهم أقرب إلى "التهديد" مع الأردن.
إذن، هو شتاء قارس يخيّم على المنطقة، وستكون له "مناخاته" في الأردن، مع احتمال لجوء الحكومة إلى قرارات اقتصادية قاسية للتعامل مع مشكلة العجز في الموازنة، وهو ما يصيب "دعم السلع" في الموازنة. وقد حذّر قبل أيام قليلة وزير المالية الجديد د. أميّة طوقان، من خطورة الوضع الاقتصادي.
تزاوج الأزمة الاقتصادية واتخاذ الحكومة مثل هذه القرارات "المرحّلة"، منذ أشهر طويلة، مع الاحتقان السياسي الحالي في ظل اللحظة الإقليمية الراهنة المضطربة، يدفع إلى عدم التباطؤ والتلكؤ في الخطوات الإصلاحية على أرض الواقع لتصليب الحالة الداخلية، بل ترميمها بعد مرحلة طويلة من السياسات الخاطئة التي أنتجت أزمة مجتمعية عميقة.
لهذا، لن يخدم الحكومة ولا "الوضع الداخلي" الإطالة كثيراً في عمر المرحلة الانتقالية الحالية، إذ المطلوب أن تكثف الحكومة حواراتها وإجراءاتها وتسارع فيها للوصول إلى الانتخابات البلدية والنيابية في أسرع وقت، ووضع القطار على السكة الصحيحة، ما يبعث برسائل عملية مطمئنة للجميع بأنّ البلاد تسير في الاتجاه السليم.
أمّا المماطلة والتباطؤ المبالغ فيهما، فسيفتحان الباب للتأويلات والاحتمالات المتعددة، في أجواء مشبعة بالبارود من هنا وهناك، وهو ما قد يجعلنا أمام استحقاقات وتهديدات أكبر وأكثر خطورة من اللحظة الراهنة.
الرهان من قبل بعض مراكز القرار على تراجع زخم الحراك الشعبي هو رهان كارثي ويقودنا دوماً إلى ارتكاب أخطاء فادحة، وستكون باهظة الثمن في المرحلة الحالية الدقيقة، فالمزاج الشعبي عموماً محتقن، متفلّت، والمناخات الإقليمية والداخلية لا تبعث على الاستقرار والهدوء.
التسريع في الحوارات السياسية والإجراءات الواقعية للإصلاح السياسي بمثابة "حجر الأساس" في حماية الاستقرار السياسي، بعد أن تراجعت "سطوة" الأمن في العالم العربي بأسره، بل وأصبح الحل الأمني عبئاً كبيراً على شرعية الدولة وعلاقتها بالقوى السياسية المختلفة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد