1) في العمل السياسي
لابد من توليفات ، وعلى مستويات شتّى . وقد تكون التوليفات على مستوى الشخصيات ، أو
على مستوى البرامج والأفكار ، أو على مستوى المواقف ، أو على مستوى البنود ،
المقرّرة من فئة معيّنة ، أو المتّفق عليها من فئات عدّة ..!
ومنها :
·
توليفات عند تشكيل
وزارة ، من حزب واحد ، أو من مجموعة أحزاب وقوى سياسية موجودة على الساحة ..
·
توليفات عند تشكيل
قيادة حزب ، أو مكتب حزبي ذي شأن ، أو لجنة عمل ، أو نحو ذلك ..
·
توليفات عند تشكيل
تحالف سياسي ، بين مجموعة قوى محلية، أو إقليمية ، أو دولية .
·
توليفات عند تشكيل جبهة
مضادّة لجبهة قائمة ، في حالة صراع أو تضادّ أو منافسة .
·
توليفات بين قوى معارضة
لنظام حكم معيّن ، تسعى إلى إسقاطه . وقد تكون وطنية محلية فحسب ، كما قد تدخل فيها
عناصر إقليمية ودولية !
2) شروط لابدّ من
الالتزام بها لنجاح أية توليفة :
ـ إدراك العناصر
الداخلة في التوليفة : طبيعةَ التوليفة ، وطبيعةَ عملها ، والهدفَ منها .
ـ قدرة العناصر الداخلة
في التوليفة ، على التنازل عن بعض مواقفها ، المتناقضة مع بعض مواقف العناصر الأخرى
.
ـ قدرة العناصر الداخلة
في التوليفة ،على تناسي الحساسيات والعداوات التاريخية القديمة، إذا وجِدت ، ولو
مؤقتاً ! حتّى يتحقّق الهدف الذي تسعى عناصر التوليفة إلى تحقيقه .. وبعد ذلك يخرج
الجميع من إطار التوليفة ، إلى فضاءات خاصّة بكل منهم ! وقد يسعى الكثيرون منهم ،
بعدئذ ، إلى إنشاء توليفات جديدة ، لمنافسة بعض عناصر التوليفة القديمة ! كما قد
تنشأ توليفات متضادّة ، من عناصر التوليفة السابقة ، تتصارع فيما بينها، لتحقيق
أهداف ومصالح مستجدّة ، لكل فئة من فئات التوليفة القديمة ! فالسياسة عمل إداري
فنّي ، يهدف إلى خدمة مصالح أطراف مختلفة ، تتّفق حيناً ، وتتعارض أحياناً..
وباتّفاقها وتعارضها تتّفق السياسات وتتعارض !
3) مظاهر مألوفة :
ـ الذين يجعلون من
مبادئهم قيوداً تقيّدهم عن الحركة والفعل ، في أطار التعامل مع الواقع ، المتقلّب ،
والمتغيّر ، والزاخر بشتّى المفارقات والموافقات ، والتناقضات ، والأخطاء ،
والانحرافات .. فلا يتحركون إلاّ ضمن غرف ضيّقة ، جدرانها مبادؤهم وأخلاقهم الشخصية
.. هؤلاء يصعب عليهم العمل السياسي أصلاً ! ويصعب عليهم جداً، التعامل مع الآخرين ،
في إطار توليفات مرحلية ، لتحقيق أهداف مشتركة لأطراف التوليفة ! أمّا الذين تجري
مبادؤهم وأخلاقهم ، أنساغاً في نفوسهم وقلوبهم وشرايينهم.. وتمدّهم بالعزيمة
والحماسة ، لتحقيق الأهداف التي تخدم المبادئ ، وتزوّدهم بصِمامات أمان ، مبرمجة
داخلياً ضدّ الانحرافات .. كما تزوّدهم بشحنات دائمة من الوعي والحذر، ورقابة
السلوك لديهم ولدى الآخرين .. أمّا هؤلاء فلا تضيرهم السباحة في أيّ نهر من أنهار
السياسة ، أو بحر من بحارها ! وهم أقدر من سواهم ، من اللاهثين وراء مصالح مجرّدة
من المبادئ ، على تحقيق أهدافهم المشتركة مع الآخرين ، وأهدافهم الخاصّة بهم على
المدى الطويل ..!
وصلح الحديبية في العهد
النبوي ، يشكّل ، وحده ، مدرسة قائمة بذاتها ، للمتأمل الحصيف، في مجال التعامل
السياسي مع الآخرين ؛ إذ يفتح نوافذ وآفاقاً ، في الفكر السياسي عامّة ، والإسلامي
خاصّة ، بما يبهر الألباب ، من حيث إنشاء عقد الصلح ، بتوليفة من البنود ، التي رأى
كل فريق ، أنها تحقّق له مصلحة ما ، ومن حيث نتائجه ، بتوليفة من العلاقات الجديدة
، والتحالفات الجديدة .. ومن حيث الأهداف البعيدة التي تحقّقت على أساسه ! ولقد
سمّاه ربّ العالمين فتحاً مبيناً ، حين كانت عيون الصحابة تدور في محاجرها ، ألماً
منه وحزناً ، وقلوبهم تتفطّر حسرة ولوعة ، وإحساساً بالغبن !
ماجد زاهد الشيباني
المراجع
odabasham.net
التصانيف
أدب العلوم الاجتماعية