مبادرة الانفتاح الرسمية على جماعة الإخوان المسلمين بمثابة استدارة نحو المسار الصحيح، ومحاولة للاستدراك على التدهور الذي حدث في علاقة الدولة بالأطراف والقوى السياسية المختلفة، في الآونة الأخيرة.
تعبيد الطريق نحو إصلاح سياسي توافقي وطني يضع الأردن على خريطة المستقبل، بوصفه نموذجاً سلمياً للتحول الديمقراطي الحقيقي يحتاج مقاربة مختلفة تماماً عن تلك التي تتبعها مؤسسات الدولة اليوم، التي ما تزال تخضع لاعتبارات أمنية من جهة، أو فزّاعات تقليدية من جهة ثانية، أو عقلية رسمية تجاوزتها الأحداث والمتغيرات من جهة ثالثة.
الدولة تحتاج اليوم إلى عقل منفتح إيجابي يدرك خطورة الأزمة السياسية والمجتمعية، وتدهور علاقة المؤسسات بالشارع، وحجم الضرر الكبير الذي حدث في الثقة والمصداقية والأخطاء والخطايا التي حدثت، فهذه "القناعة" هي مفتاح الحل المطلوب للانطلاق نحو حوار سياسي عميق مع الجميع، وليس فقط مع "الإخوان".
الحوار مع "الإخوان" لا يلغي أهمية الحوار مع الأطراف والقوى السياسية الأخرى، وبصورة خاصة الجديدة، وتحديداً الحراك الموجود في المحافظات. فلهذه القوى السياسية والاجتماعية أولويات متباينة وأجندات مختلفة، تحتاج إلى "مسارات متنوعة" من الحوار، لكنها متكاملة لترميم العلاقات وتوضيح مواقف الدولة وتطويرها.
لقد تأخرنا كثيراً، وارتطمنا بأنفسنا بلا سبب، وصنعنا أزمات كبيرة مجّاناً، وتحايلنا على الإصلاح الحقيقي، بينما بقيت بوصلة الشارع واضحة لا تتغير، وضميره الوطني يحدد بالضبط ما يريده، ولن يقبل بغير تحقيق مطالبه الوطنية الأساسية؛ محاسبة الفاسدين، الديمقراطية وتوزيع السلطات واستقلالها، إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية وإنصاف الطبقات الفقيرة والوسطى، توزيع النمو والتنمية بين المحافظات، تكافؤ الفرص والعدالة القانونية والاجتماعية ما يتيح تنافساً متساوياً في المجالات المختلفة.
الاختلاف ليس على نص في الدستور أو بند في القانون، بل هو على مدى الإيمان بأنّ ما تقوم به الحكومة من خطوات يهدف بالفعل إلى تحقيق تلك الأهداف وإحداث نقلة نوعية في الحياة العامة. 
إلى الآن، برغم تأكيد "مطبخ القرار" عشرات المرات على "نوايا الإصلاح"، فإنّ هنالك ظلالاً كبيرة من الشكوك لدى القوى والشارع على السواء، والسبب أنّ سقف المعروض أقل من المطلوب، وأنّ ما يراه الناس على الأرض يغاير ما يسمعونه من خطابات، وأنّ هنالك أكثر من "مطبخ سياسي" كلّ له طريقته وإدارته، ما يخلق ارتباكاً وقلقاً ويؤدي في أحيان كثيرة إلى إشعال الحرائق، ومن ثم العمل على إطفائها بعد أن تكون قد تسببت بخسائر كبيرة.
ما نأمله أن يكون الجميع قد تنبّه إلى خطورة "العقلية الرسمية" التي وقفت وراء البلطجة أو التقليل من شأن الحراك الموجود في الشارع، ومن الأزمة الخطرة التي تمرّ فيها البلاد. فهذه الفرضيات جميعها سقطت تماماً مع "انفلات الأمور" في الأيام الماضية، وعودة الحراك إلى الشارع، بقوى تقليدية وجديدة وقيادات سياسية لها حضورها المعروف، مثل أحمد عبيدات وليث شبيلات.
"الدرس الذهبي" هو أنّ ما يخدم الدولة تماماً في اللحظة الراهنة والتحضير للمستقبل ليست تلك النخب الرسمية المغلقة، ولا العقلية التي هيمنت على صوغ سياسات الدولة وأوصلتنا إلى الأزمة العميقة الراهنة، ولا النخب الاقتصادية غير المسيّسة، الرسمية وغير الرسمية، المسؤولة عن "خطايا كبرى".
تحتاج الدولة إلى نخبة وقيادات جريئة نزيهة مقبولة في الشارع، تؤمن بضرورة الإصلاح والانفتاح، وتجسّر العلاقات بين الجميع.
هل تعلمنا الدرس؟ أرجو ذلك.. لكن أشك!
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد