لم يكن لديه فاكس أو حتى هاتف، ولو سمع عن الانترنت لقال انه ليس أعجوبة بل من شطحات خيال جامح، وكل ما كان لديه في زمنه حمام زاجل وحصان.. وقلم..
ربما كانت أقصر برقية في التاريخ تلك التي أرسلها شاعر عربي عمل في السياسة الى الخليفة، وهي أنه رأى وميض جمر في خلل الرماد.. وأضاف بأن الرماد يوشك أن يكون له ضرام.
في تلك الأيام كان العربي قد هاجر من ربيعه الى بواكير خريفه الطويل، وسال لعاب الغزاة ولعاب خيولهم أيضاً على نخيله ورماله وزيتونه، حيث لم يكن النفط قد فاحت رائحته ليجتذب الأساطيل والقراصنة وتجار الدم والسلاح..
أما البرقية فقد تكون وصلت أو لم تصل شأن كل ما يكتبه الشهود في كل الأزمنة حين يقومون بما عليهم القيام به وينهون الخطاب بعبارة اللهم اشهد أنّي قد بلغت.
فلا خريف العباسيين ولا غروب العرب عن سماء غرناطة ولا حتى إدبار الخيل في الدفاع الأموي له مثل هذا الرماد الذي لا نلمح تحته جمراً ولا نرى منه وميضاً، فأحياناً تأتي العواصف من جهة غير محسوبة، أما لان البوصلة أصابها العطب أو لأن الرعاة صدقوا ما قالت الذئاب وهي تستدرجهم نحو الهلاك المحتم.
قد تبدو هذه اللغة مجازية، في زمن واقعي يقول فيه من نفد صبرهم: هات من الآخر، وكأنهم يعرفون الأول والثاني وسائر المتوالية التي قضمت هويتهم ووجودهم في هذا العالم، بحيث تحولوا من أبطال إلى كومبارس وانتهوا أخيراً إلى ببغاوات تردد الصدى.
ان برقية ابن سيّار تبدو كما لو أنها أرسلت في عنق غراب وليس في عنق حمام زاجل، إذ سرعان ما اندلع الحريق بدءاً من أصابع الأطفال وسعف النخيل حتى عباءة الخليفة.
أصرخ حتى يتفصد الدم من شرايين عنقك فلن يسمعوا.. لأنك تصرخ في سوق النحاسين المحاذي تماماً لسوق النخاسين. فالنقطة الآن هي الفارق الحاسم بين نحاس ونخاس وحوار وخوار وعار وغار
وحين تقرأ الأجيال القادمة ان استطاعت القدوم برقياتنا سواء كانت شعراً أو مقالة أو مجرد زفير محموم قد تنكرنا وتبحث عن نسب آخر ، فالذي جاء تحالف حتى مع الشيطان ضد مستقبل أحفاده كأجداد هذه الايام وما من أب ذبح طفله لغزاته كما يفعل دهاقنة النذالة والخذلان في هذا الزمن.
ويبدو أننا اخطأنا في تعريف الفوضى مثلما اخطأنا في تعريف الحرية وقد نخطىء أخيراً في تعريف كلمات مثل الوطن والتاريخ والاستقلال.. |
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|