أمضيت ليلة الجمعة إلى الفجر في قراءة رواية "القوقعة: يوميات متلصص"، لمؤلفها مصطفى خليفة. وهي رواية تفضح حجم الكارثة التي ننام إلى جوارها، بدون أن يرف لنا جفن، وكثير منا لم يسمع بها من قبل، أو يحاول ألا يسمع بها.
قرأت رواية القوقعة بعد إلحاح من أصدقاء لمعرفة بعض ما يحدث في سورية، وتحديداً في السجون والمعتقلات التي تضج اليوم بعشرات الآلاف من المعتقلين.
أهمية الرواية اليوم أنّها تقودنا إلى الأماكن الأكثر سواداً وسوءاً، والتي لا يمكن لأي إعلام في الدنيا أن يصلها أو يقترب منها، فهي "جهنم السورية" الحقيقية، وتتجاوز في "صنوف التعذيب" والإهانة والإذلال اللاإنساني ما عرفته البشرية إلى الآن، على يد نظام مخضرم وعبيد له ساديين أصبح قتل الناس وتعذيبهم وتقطيعهم "عادة يومية" ولذة لا يملكون الاستغناء عنها.
القوقعة هي يوميات لمعتقل سوري مسيحي، لا علاقة له بالسياسة، أمضى شبابه في فرنسا، واقتيد من المطار إلى المخابرات، ومن ثم إلى السجن، بسبب تقرير كتبه به زميل له في فرنسا، لكلمة وحيدة قالها بحق الرئيس السوري في سهرة مرح باريسية، فؤتي به بوصفه عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، وبدأ مشوارا من العذاب والجحيم امتد ثلاثة عشر عاماً.
في يومياته، يصوّر لنا بالتفصيل ما يتعرّض له المعتقلون مما لا يخطر على بال أغلب الناس من أهوال التعذيب والإهانة. لم يفارقني سؤال واحد وأنا أعيش مع تلك الصورة، وهو: كيف لنا أن نعيش في مثل هذا المستنقع! وأن نقبل بهذا العار، ولا تخرج الشعوب عن بكرة أبيها لتعلن العصيان والتمرد على الجلاد والسوط والسجان؟!
ما يحدث اليوم في سورية، واليمن وليبيا، وقبلها في مصر وتونس أنّ الشعوب قررت أن تتخلص من هذه الأنظمة البوليسية الحديدية اللاإنسانية، مهما كانت الكلفة من شهداء وإصابات ودماء، لكن لا بد من أن تعيش حياة كباقي خلق الله، تمتلك حريتها وكرامتها وقبل ذلك إنسانيتها.
كم تمنيت على أولئك القلة (من بيننا) الذين جلبوا لنا العار في الإعلام السوري الرسمي، وما يزالون يتبجحون بكذبة "الممانعة"، أن يقرؤوا رواية "القوقعة" وأن يتصوّروا كم هو حجم الخداع والتضليل الذي يمارسونه على أنفسهم (ولا أظن أحداً آخر يصدّق ذلك)، وهم يبررون هذه الأهوال والمجازر، لماذا لا يطالبون بزيارة المعتقلين والمدن المنكوبة، قبل أن يتحولوا إلى "أبواق" لنظام لا يمتلك أي شرعية سياسية، ويحكم الناس بالرعب والتعذيب والفساد؟!
لا يمكن أن نصدّق أن نظاماً هشّاً يدير بلاده بهذه الطريقة الوحشية، ويهين البشر ويعذبهم، ويستند إلى الأمن فقط، يملك القدرة على المقاومة والصمود في حروب خارجية، أو أنّ رجال الجيش والأمن الذين يقتلون الناس المدنيين ويقصفون المساجد والبيوت، ويعتقلون الأطفال والنساء هؤلاء هم من سيدافع عن الشعوب نفسها وعن البلاد وكرامتها! كيف ذلك وهو يدوس هذه الكرامة صباح مساء؟!
القوقعة تستدرجنا إلى عالم آخر، غير ذلك الذي يتمكن "يوتيوب" والفضائيات أن تنقل بعضه إلينا، فهو عالم آخر تماماً يعيشه اليوم عشرات الآلاف من السوريين، ولا نملك إلا أن ندعو بأن تكون "النار برداً وسلاماً" عليهم!
هذا هو رابط نص الرواية على موقع رابطة أدباء الشام

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد