مع تسليم مخرجات لجنة التعديلات الدستورية اليوم إلى الملك، فإنّ الحكومة ستبدأ بتمرير الوجبة الأولى من التشريعات المطلوبة لبرنامج الإصلاح السياسي إلى البرلمان، ومن ثم قانون الانتخاب، وإذا ما مضت هذه الروزنامة، كما هو مخطط، سنكون أمام انتخابات مبكرة في منتصف العام المقبل، من المفترض أن تنتج عنها حكومات مختلفة (بطبيعتها) عن الراهنة.
الدولة ستكون حريصة على أن تمنح "قوة دفع" من خلال فتح "قنوات" مع القوى المختلفة، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، للاتفاق معهم على "النظام الانتخابي"، لضمان مشاركتهم في الانتخابات المقبلة.
والإعداد للمرحلة الجديدة له حسابات أخرى أكثر دقة وواقعية، فهو مصحوب منذ الآن بمسوحات واستطلاعات رسمية لدراسة أحجام القوى وموازينها على أرض الواقع، مرتبطة أساساً بسيناريوهات قانون الانتخاب المقترح، في محاولة لبناء تصور مسبق حول مرحلة "ما بعد الانتخابات المقبلة"، من سيبقى في الملعب قوياً، ومن يضعف، ومن يغادر؟
ومن المفترض أن ينعكس ذلك، أيضاً، على مؤسسات الدولة (البرلمان والحكومة) وعلى "تدوير" النخب السياسية القريبة من النظام!
الأسابيع المقبلة، إذن، بمثابة اختبار مهم للقوى الفاعلة في الساحة، القديم والجديد منها، وفي مقدمتها الجبهة الوطنية للإصلاح، التي يقودها أحمد عبيدات، وتضم شخصيات إخوانية وقومية ويسارية ومستقلة أخرى.
السؤال المفصلي هنا يدور حول قدرة عبيدات على المشاركة بالانتخابات بقائمة وطنية موحدة، تضم هذه القوى، أم أنّ الجبهة ستبقى جسماً هلامياً، وخطاباً عاماً، بلا جسد سياسي حقيقي يعكس ذلك عبر رقم معتبر وكبير في البرلمان!
بالطبع، ليست العملية سهلة على جماعة الإخوان، بحضورها وقوتها، بأن "تجيّر" قاعدتها الانتخابية لصالح الجبهة الجديدة، فضلاً عما تركته الثورة السورية من "ندوب" كبيرة في الثقة والشراكة بين الجماعة وقوى يسارية وقومية. إذا لم تترجم الجبهة نفسها من خلال عمل مشترك حقيقي، يتجاوز البيانات والمهرجانات، فإنّ قيمتها الواقعية في الأيام المقبلة ستكون ضعيفة ومحدودة. 
أمّا إذا افترضنا السيناريو البعيد، أي القائمة الموحدة على صعيد المحافظات والوطن، فإنّ عبيدات يكون قد نجح في توحيد قوى مختلفة، وأخذ أوراق قوى كبيرة ليصبح أحد أهم الأرقام الصعبة في المعادلة المقبلة. بالضرورة، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين والجبهة الوطنية للإصلاح تتحركان في مربعات المعارضة السياسية، وستكون مؤسسات الدولة معنية بتعزيز الأحزاب والشخصيات القريبة من الخط الرسمي. وهنا، تحديداً يعود التفكير بإعادة "تأهيل" حزب التيار الوطني. ابتعاد عبد الهادي المجالي عن المشهد، بسبب حالته الصحية، فرض على "مطبخ القرار" التفكير بشخصية يمكن أن تحمل المشروع، إذ ربما تحتاج إليه الدولة في المعادلة الجديدة، ويجري الحديث حالياً عن فايز الطراونة، مع شكوك كبيرة بقدرة أيٍّ كان على "ملء الفراغ" الذي تركه المجالي، أو بإمكانية إصلاح التجربة، بعد الضربات الشديدة التي تلقتها (من الدولة نفسها- "عقوق الأب") خلال العامين الأخيرين!
هنالك، في المقابل، مجموعات ونخب جديدة ناشطة في المحافظات المختلفة، مثل المعلمين والمتقاعدين العسكريين وبعض العناوين الشبيهة، تثير تساؤلات فيما إذا كانت قادرة على "لملمة" نفسها، والحصول على "حصة" من "كعكة" المرحلة المقبلة.
والاحتمال الآخر، يكمن بحضور شخصيات تقليدية من الأوزان الثقيلة وأحزاب صغيرة وسطية تشكل جبهات انتخابية وتنافس الإخوان والمعارضة على الشارع. طبيعة النظام الانتخابي ستلعب دوراً مهماً في ترسيم قواعد اللعبة المقبلة، لكن تبقى هذه صورة أولية تحكم المنظور العام لسياسيين ومسؤولين كبار للنتائج العملية المترتبة على التحولات المتوقعة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد