في حوار مقتضب مع سائق تاكسي، يذكر أنه يعمل على سيارته بضمان يومي يبلغ 30 ديناراً، يخرج بأجرة يومية شخصية في معدل ما بين 7-10 دنانير، يعيش في بيت بالأجرة بحدود 100 دينار، وله طفلان صغيران في المدرسة، ولا يمتلك أي تأمين صحي أو ضمان اجتماعي، حاله مثل عشرات آلاف السائقين بالأجرة في قطاع النقل (50 ألفا على الباصات وسيارات الأجرة المختلفة)، لا يمتلكون الحقوق الأساسية من تأمين وضمان والحد الأدنى للأجرة!
هذه الشريحة الاجتماعية هي جزء من شرائح أخرى، وجدت ملاذاً في نكتة يتم تداولها اليوم من نشطاء "الفيسبوك"، بأنّ أردنياً سأل مواطناً خليجياً: كم راتبك؟ فأجاب الخليجي: 15 ألف درهم، بدل سكن 80 ألف درهم، وبدل نقل 1200 درهم، وبدل غلاء معيشة ألفا درهم، وبدل ماء وكهرباء... ثم سأل المواطن الخليجي: كم راتبك؟ فأجابه الأردني: 300 دينار، فسأله الخليجي: بدل ماذا؟! فقال له الأردني: "بدل شحدة"!
في المقابل؛ أحد الأطباء المعروفين يعترف أمامي أنّه يكسب من مهنته دخلاً كبيراً، لكنه يتوعّد بأنّه سيرفع أجرته في حال تمّ إقرار رفع الأسعار على الطبقة الغنية، مبرّراً ذلك بأنّه لن يصرف من جيبه وتعبه واجتهاده على ترف الحكومات وآلاف النمر الحمراء والفساد!
الرأي نفسه يتداوله أطباء وتجار كبار يتحدثون عن رفع قيمة الفواتير والأسعار والخدمات في حال تمّ استهداف الطبقة الغنية الرابحة في الأسعار الجديدة.
في المحصلة، تبدو المعادلة واضحة كالشمس؛ من سيدفع ثمن ارتفاع فاتورة الكهرباء ورفع الدعم عن الوقود، وزيادة أسعار السلع التي توصف بالكمالية، هي الطبقة الفقيرة والمتوسطة الدنيا في نهاية اليوم، والتي تعاني –في الأصل- في مواجهة الضغوط الاقتصادية اليومية، من دون أن تتوافر على "جدار حماية"، لا من تشريعات ولا من مؤسسات رقابية فاعلة!
لا أعتقد أنّ هنالك نقصا في انتماء أو إنسانية أغلب أفراد الشريحة الاجتماعية المهنية والتجارية الناجحة الغنية، لكنها (أولاً) مشكلة النظام الاقتصادي-السياسي نفسه، الذي لا يتسم بالوضوح والاستمرارية والتوازن، لا في التشريعات ولا الأنظمة، مما يخل بقيم العدالة الاجتماعية؛ وهي (ثانياً) مشكلة شعور بغياب نظام المساءلة والشفافية والنزاهة، ما يضعف من شعور نسبة كبيرة بأنّ التهرب الضريبي هو جريمة اقتصادية وسياسية وأخلاقية، كما هي الحال في الدول المتقدمة، التي يسارع فيها الجميع إلى ترتيب أوضاعه الاقتصادية والتأكّد من وضعه الضريبي بصورة دقيقة ومنتظمة.
عند ذلك، تحديدا، يمكن التفكير في قصة مصعب خليفة وأسباب الانتحار، بعيدا عن الملابسات الخاصة أو الذاتية. فهذا الشاب نموذج على آلاف الشباب الموظفين والعاملين، الذين يعانون من تعسف النهج الليبرالي الجديد الذي حكم السياسات الاقتصادية خلال السنوات الماضية، وكان مسؤولا ليس عن الاختلالات الهيكلية وإضعاف الطبقة الوسطى والفساد فحسب، بل وحتى عن الاختلال في منظومة التشريعات غير المتوازنة، التي جاء أغلبها على حساب الطبقات العاملة والفقيرة، مثل قانون العمل الذي يحابي أصحاب العمل في عملية تسريح العمال وإنهاء خدماتهم، من دون توفير وسائل حماية حقيقية. فمن يدفع الثمن، عادة، من هذه الارتفاعات هي الطبقة الوسطى الدنيا والطبقة الفقيرة.
بالرغم من أنّ معادلة المعاناة والضغط واضحة كالشمس لشريحة اجتماعية واسعة تعاني من الأوضاع الاقتصادية، فإنّ المعادلة الاقتصادية ما تزال غامضة تماما لدى الناس، ولا توجد وصفة واضحة محددة، تحظى خطوطها العامة بالإدراك والشرعية من الطبقات المختلفة، بل يقع الخطاب الرسمي نفسه في حالة من الغموض والتضارب، فكيف نتوقع أن يحظى بالمصداقية والقبول الشعبي؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد