في حمىّ الاعتصامات الفئوية وتبادل الاتهامات وضجيج الاستثمار المتعثر زار وفد رسمي وشعبي من مصر عدة دول افريقية، وعادوا مندهشين مما رأوا وسمعوا، واعادة اكتشاف القارة الخضراء لا السوداء، تلخصت في ثلاث نقاط الاولى ما بلغته بعض الدول في القارة من تقدم وانجاز كما هو الحال في راوندا والثانية نقد ذاتي اعلنه اعضاء الوفد لمصر وللنرجسية السياسية التي حالت دون رؤية الواقع كما هو والثالثة ان ما يحق للمصريين بالنسبة للنيل والسدود يحق للاخرين ايضا.

اما صدمة راوندا فقد تجلت لهؤلاء وغيرهم ايضا حين رأوا بلدا نظيفا ومتصالحا واقرب الى اليوتوبيا رغم انه نهض من بين الاطلال بعد حرب حصدت مئات الالوف من القبيلتين المتصارعتين. شعب هذا البلد من الرأس حتى الذيل يقوم بتنظيف الشوارع مرة كل شهر، ومن يتخلف يحاكم وقد تنزع عنه الجنسية، اما من يتصاهرون من ابناء القبيلتين فان الدولة تتعهد بالزفاف ونفقات الزواج، وهناك دول عربية وغير عربية عاشت حروبا اهلية لكنها لم تتلقح بها عند تكرارها كما حدث في رواندا، والاغرب من هذا كله ان الوفد المصري عندما عرض الخدمات على راوندا لتطويرها فوجئ بانها سبقت مصر في بعض المجالات. اما السدود فلها حكاية اخرى، اذ تتكرر الان في اثيوبيا شعارات مصر اثناء بناء السد العالي، وترفع اليافطات في الشوارع وهي تحمل عبارات سبق ان سمعناها من اناشيد مصر الوطنية وعبدالحليم حافظ من طراز كنا حانبني وادي احنا بنينا السد العالي.. ويروي اعضاء الوفد المصري ان الافارقة يعاتبونهم على ما ينشر في مصر في الصحف وعبر الفضائيات فهناك طرق اخرى لاقتسام مياه النيل رغم ان الظمأ قادم لا محالة وقد تحل حروب الماء مكان حروب النفط

كان عبدالناصر سباقا الى اكتشاف افريقيا ومحاولة الحدّ من التمدد الصهيوني في شعابها وارجائها، لكن اربعة عقود اعقبت رحيله اعادت افريقيا مرة اخرى الى قارة عذراء تحتاج الى اعادة اكتشاف.

ومصر هي باب افريقيا بعدة مقاييس، وحين انكفأت على نفسها وداخل شرنقتها اصبحت القارة مشاعا لاسرائيل ورؤوس اموالها واستراتيجياتها في التمدد والاستقطاب ما استوقفنا في هذه الرحلة المصرية بعد يناير هو انها تحدث في وقت تعاد فيه البلاد الى الوراء، وتستنفذ طاقتها في معارك صغرى وتجاذبات ايديولوجية وحروب كلامية لا ينجو فيها طرف من التخوين والتواطؤ

ان ما سمعناه من احد اعضاء الوفد يستحق التنويه لاكثر من سبب فقد قال ان الاخ الاكبر او حتى الاب اذا الح على ابنه بانه صاحب الفضل عليه فقد يخسر، ومصر صاحبة فضل على افريقيا والعالم العربي ايضا، لكن هذا الفضل اقترن بحقبة تاريخية ويحتاج دائما الى ترسيخ، وبغير ذلك فما من ضمانة او بوليصة تأمين تاريخية لاحد.

اكثر ما يبشر العرب الان بالنسبة لمصر وحراكها هو الصحوة بعد استغراق اشبه بالسبات دام عدة عقود، واول بشائر الصحوة فقد الذات والاعتراف بالاخطاء والتقصير وثمة الان اعتراف بهذا التقصير ازاء افريقيا. لكن ماذا عن العالم العربي؟

وهل من وفود رسمية وشعبية عادت من عواصمه لتقول للمصريين ان العالم تغير وان النائم في العسل لن ينجو من الكوابيس


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور