منذ ستينيات القرن الماضي احاطت اسرائيل مشروعها النووي بغموض مبالغ فيه، وكان بيريز قد اعترف بان هذا الغموض بحد ذاته سلاح ردع استراتيجي، لان الغامض لا يقاس ويقبل التأويلات الى ما لا نهاية فالاحاطة بسلاح اي عدو تتيح للمُستهْدَف بهذا السلاح ان يُهيء دفاعاته.
ورغم كل ما تسرب عن السلاح النووي الاسرائيلي وما لقيه «فعنونو» من عقاب بالسجن لانه ساهم في هذا التسريب، الا ان اسرائيل تواصل افتعال الغموض بهدف الترويع. وما تصاعد من وتيرة السجال السياسي دوليا واقليميا حول مشروع ايران النووي توقع البعض انه سوف ينتهي حتما الى حرب، لكن ما غاب عن هؤلاء هو ما بين السطور وظلال التصريحات وايحاءاتها غير المباشرة، فقد حولت اسرائيل مشروع ايران النووي الى نمط انتاج واستثمار، والاعوام القليلة الماضية شهدت تعاونا غير محدود بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة من جهة واسرائيل من جهة اخرى.
فالمسألة كما وصفها احد المحللين ثقافية بامتياز، تماما كما ان اللاسامية التي حولتها اسرائيل الى فزاعة للعالم باسره هي ثقافية ايضا، ويمارس باسمها ابتزاز لا اخر له، تماما كما استخدم الهولوكوست لاكثر من نصف قرن وسيلة لابتزاز اوروبا، واستثمار ما يسمى الذاكرة الاثمة.
لهذا سمعت ذات يوم في عاصمة اوروبية من صحفي يعد نفسه صديقا للعرب ومناصرا للفلسطينيين، انكم كعرب ومسلمين كلما صرح احدكم بانه ينوي ابادة اسرائيل يجدد صلاحية تلك الذريعة، فالاوروبيون كما اوشكوا على التحرر من الابتزاز الصهيوني بواسطة الهولوكوست يصدر تصريح من عاصمة عربية او اسلامية يحرجهم واسرائيل جاهزة لاستثمار هذه التصريحات على الفور.
ان ما ارادته اسرائيل من التجييش الدولي ضد ايران حصدته اقتصاديا وسياسيا وقد لا يكون لها حاجة باي عمل عسكري اللهم الا اذا تم التلويح بهذا العمل لاشغال الرأي العام في العالم عما يحدث في فلسطين من حصار وانتهاك واستيطان.
ما جنته اسرائيل من الابتزاز الهولوكوستي تجنيه الان من ابتزاز الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة تحت ذريعة التسلح النووي في المنطقة سواء تعلق بايران او غيرها، فاسرائيل اقامت الدنيا عام 1954 على صفقة تسليح عراقية، ليس خوفا ممن عقدوا هذه الصفقة بل لان السلاح كما قال جنرالاتها في تلك الايام قابل للاستخدام في كل الجهات فما يحدد بوصلته هو الاصبع لا الزناد ولو تعامل العرب مع الميديا المدجنة صهيونيا بذكاء لما استطاعت مواصلة الابتزاز لاوروبا والغرب بمجمله.
فهي اجادت دور الضحية وتقمصته حتى وهي تمارس ما هو اقسى مما مارسه جلادها، لهذا تحتاج باستمرار الى اقناع الاخرين بانها في خطر وانها هي المحاصرة.
ان من يجهل عدوه يجهل ايضا اصدقاء وحلفاء هذا العدو لهذا لا تنفعه النوايا حتى لو كانت حسنة وهو يعبد بها الطريق الى الجحيم.
لقد اتى المنشار الصهيوني على معظم الغابة صاعدا وهابطا عبر هذا الابتزاز المزدوج للاسامية والتسلح النووي
|
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|