الحديث يبدو اليوم في أوساط الإسلاميين جدّياً عن إعادة النظر في مطالبهم المتعلقة بالمشاركة في الانتخابات، وجدولتها زمنياً، والقبول مرحلياً بتعديل قانون الانتخاب. وهو موقف مشابه -سابقاً- لما يراه زعيم الجبهة الوطنية أحمد عبيدات. وفي حال تبلور هذا الاتجاه سريعاً بوضوح، فإنّ المشكلة تكمن في التسويغ الدستوري "الهش" المطروح، بإعلان حالة طوارئ لمدة يوم واحد، وهو ما يراه خبير دستوري مرموق مثل د. محمد الحموري "كفراً دستورياً"، ويطرح مقاربة قانونية أخرى، قد تكون أكثر صعوبة وحساسية لدى "مطبخ القرار".
بالرغم من ذلك، ونحن نرى الباب يغلق أمام فرصة المشاركة في الانتخابات، وتنتهي الوساطات والمحاولات مع نفاد الوقت، يجدر بنا تذكر ثلاث قضايا جوهرية:
أولاً؛ هنالك اتفاق على أنّ أسلوب إدارة الدولة وتشكيل الحكومات لا بد أن يتغير، بعد أن وصل الأسلوب القديم إلى حالة من العقم، وأصبح بحد ذاته جزءاً بنيوياً من الأزمة السياسية في البلاد، وصار ضرورياً التحول نحو شكل جديد مطروح اليوم على صيغة "حكومة برلمانية"، ضمنها الملك، مع ضمانات أخرى، بمشاورة الكتل النيابية عند تشكيل الحكومة.
إلاّ أنّ الوصول إلى حكومة برلمانية يتطلب اشتراك قوى سياسية ومعارِضة فاعلة، حتى تأخذ هذه الخطوة معنى سياسياً واقعياً، لا أن يتم النظر إليها وكأنّها "ديكور" فقط، مع الإبقاء على جوهر "المعادلة السابقة"، فدخول المرحلة الجديدة في تطوير النظام السياسي يتطلب توافقاً وطنياً.
وتكمن القضية الثانية في التحدي الاقتصادي. فالاتفاقية الجديدة مع صندوق النقد الدولي تقتضي خلال عامين رفع الدعم عن أغلب السلع والخدمات، وفق فرضية إعادة توجيهه. وهي خطوة مفصلية، على درجة أكبر وأخطر من الأزمة السياسية؛ إذ تعني إعادة تعريف صيغة العلاقة بين الدولة والمواطنين، وبصورة خاصة في المحافظات ومن أبناء العشائر، الذين اندمجوا وتماهوا خلال العقود الماضية مع القطاع العام، ويعانون اليوم من ضغوط اقتصادية كبيرة، وتحديداً الطبقة الوسطى في القطاع العام، التي لم يعد "مستوى دخلها" قادراً على الوقوف في وجه هذه التحولات، فكيف ستكون الحال عندما يتم رفع الدعم؟!
خلال العامين الماضيين، كان جزء رئيس من الحراك قائماً في المحافظات على مطالب مرتبطة بمكافحة الفساد والعدالة الاجتماعية والشروط الاقتصادية. وبالرغم من "محدوديته"، إلاّ أنّه بالضرورة يعكس "مزاجاً اجتماعياً" محتقناً وقلقاً من الأوضاع الاقتصادية، ليس من الحكمة التعامل معه باستهتار أو بإنكار، فهو تحدّ كبير جداً!
الدفع باتجاه إدماج الحراك الشعبي الجديد في البرلمان، والوصول إلى حكومة ذات ثقل شعبي، يساعد على تمرير هذه القرارات والتحولات الاقتصادية بمظلة معتبرة من التمثيل الشعبي، وتجسير الفجوة بين الدولة والشارع، وعدم انتظار مفاجآت خطرة على هذا الصعيد.
ثالثاً، هناك الجبهة الشمالية وما تحمله من تطورات ومخاطر إقليمية وداخلية، بعد أن تحوّلت إلى حرب دولية بالوكالة، ربما تمتد إلى المنطقة. وهذه بالضرورة تتطلب "جبهة داخلية" صلبة ومتماسكة.
من نذكّر عندما نتحدث بهذه القضايا المهمة والخطرة؟.. الجواب: الجميع؛ فكلنا معنيون بإيجاد حلول، إذا كانت النوايا صادقة، طالما أنّ الانسداد لا يخدم أحداً!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد