يبدو ان الفضائيات اصيبت بعدوى ارضية ولم يحررها التحليق عاليا من جاذبية الواقع السياسية والاخلاقية. فهي اصبحت شبيهة بالبشر منها النباتي والحيواني واخيرا سلالة البقة والوطواط التي لا تتغذى بغير الدم

الفضائيات النباتية لديها ما تقوله عن الانسان والطبيعة ولا تصطبغ شاشاتها بالدم الا عندما يفرض المشهد ذلك. بخلاف تلك التي قررت منذ البدء ان يكون علفها على مدار الساعة دما بشريا واشلاء اطفال وقد تشعر بالضيق والنكد اذا مرّ يوم لا تصطبغ ظهيرته باللون الاحمر.

واذا كانت بعض الارضيات احتاجت الى عشرين او ثلاثين سنة لافتضاح ارتهاناتها فان بعض الفضائيات احرقت المراحل وسرعان ما ظهرت الكواليس بكامل عريها وقد فاحت منها رائحة تزكم الانوف.

وما يحدث في العالم العربي تحت مختلف الاسماء والتصنيفات ليس عرسا وليس مأتما ايضا. انه ذو وجهين، ففيه حراك وطني يتوق الى التغيير واناس يبحثون عن مجال حيوي لاحلامهم المزمنة قبل ان تتحول الى كوابيس، وفيه ايضا اللص والبلطجي وقاطع الطريق الباحث عن عتمة تستطيل يده فيها.

فيما مضى كنا ظن ان هناك اعراضا جانبية مصاحبة لبعض الاندفاعات الانسانية، اشبه بالغثيان او الصداع المؤقت الذي يقترن بالدواء. لكن الامور انقلبت رأسا على عقب واصبح الحراك البريء الحالم هو العرض الجانبي المصاحب للجنون ولاندلاع المكبوتات كلها من الكهوف.

والى هذه اللحظة نبحث عن علماء نفس واجتماع واكاديميين في هذا العالم العربي يحللون لنا ظواهر عجيبة، تكررت في كل العواصم بطبعات ملونة ومختلفة.

نريد منهم ان يجدوا حبل السرة او حلقة الوصل بين الحلم بالتغيير ودمقرطة حياتنا وبين غزو المتاحف والبنوك والمدارس والجامعات وكل المؤسسات التي لا يملكها نظام بعينه بقدر ما تعود ملكيتها للدولة والناس معا، وهما الابقى من كل الانظمة.

ان دون كيشوت وحده او من يحاول التشبه به هو الذي يشهر سيفه على اشارة مرور او على سيارة لا يعرف صاحبها وما اذا كان قد سدد اقساطها او يكدح ليستكمل هذه الاقساط

ان الحلم بالحرية والسعي الى التغيير من صميم حقوق البشر الذين لا يتأقلمون مع الامر الواقع عندما يتحول الى جحيم، لكن الحلم وكذلك الحرية براء من الانفجار الوحشي لسبعة مكبوتات على الاقل

بحيث يصبح لكل قيس «ليلاه» اما ليلى فلا قيس لها. لان من يغني لها ليس كمن يغني عليها.

ان ثورات التغيير تنحاز بالضرورة الى ما هو ابهى واكثر اخضرارا وتبشر بالفجر لا بالغروب، ولها وهج يضيء الليل لكنه لا يحرق الوجوه.

كم من الكبت والمخزون الاسود ادخرت الذات العربية طيلة قرون، كي تصبح اعصارا بلا بوصلة، وخلطا لحابل الحرية بنابل الفوضى.

فيا علماءنا ومثقفينا او من تبقى منهم على قيد الضمير والذاكرة. اعينوا الناس على الخروج من ثنائية المع والضد والجيب والعدو فالانسان ليس كيسا منن فحم او عنقودا من ماس


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور