تبدو الموازنة العامة في حالة أحسن كثيراً من بداية العام. وتشي جملة من التطوّرات الأخيرة بأنّ العام 2013 سيكون أفضل حالاً من العام الماضي الذي شهد أوقاتاً مقلقة، ومخاطر حقيقية، كادت تعصف بالاقتصاد الوطني، فالاستقرار السياسي والاجتماعي!
يرى مسؤول اقتصادي مهم أنّ التفاؤل بأنّ الاقتصاد الوطني يسير في اتجاه التعافي من الأزمة المالية والخروج من النفق، ليس مطلقاً؛ فهو يعتمد على المدى المنظور، وتحديداً في فرضيات موازنة العام 2013، على ثلاثة متغيرات رئيسة: الأول، يتمثّل في مدى التزام الجانب المصري باستمرار تدفق الغاز بالنسب المطلوبة والوافية لحاجتنا الوطنية. أما المتغير الثاني، فهو أسعار النفط العالمية. فيما يرتبط المتغير الثالث بالتزام الحكومات بتطبيق بنود الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، ما قد يقلّص العجز إلى 5,6 % من الناتج المحلي الإجمالي قبل المنح، وسيكون ذلك بمثابة إنجاز مهم.
بالرغم من عدم شعبية قرار رفع الأسعار، وآثاره الجانبية الاجتماعية السلبية، وبدرجة كبيرة على الطبقة الوسطى، إلاّ أنّه كان شرطاً أساسياً لتدفق المساعدات والمنح الشقيقة التي كادت الحكومة تفقد الأمل في قدومها؛ فحجم الودائع والمنح التي قُدمت، وتلك التي في الطريق، يسمح بـ(أولاً) تعزيز عنصر الاستقرار المالي، و(ثانياً) بتنفيذ استثمارات ومشاريع اقتصادية رأسمالية وتنموية ضخمة، تحرّك المياه الراكدة بفعل الأزمة المالية الأخيرة.
في جعبة الحكومة اليوم جملة من المشاريع التي اتفقت عليها مع الدول المانحة؛ السعودية والكويت والإمارات. فبحدود 90 % من المشاريع التنموية والرأسمالية في موازنة 2013 ستأتي عبر هذه المنح، وسيذهب أغلبها لمشاريع ضخمة، مثل تخزين الغاز المصري، وقطاع النقل العام، ومشاريع تنمية المحافظات.
في البداية، كانت الطريقة الجديدة التي أقرّتها دول الخليج في التعامل مع الأردن غير مريحة وليست تقليدية لدى المسؤولين لدينا؛ إذ إنّها لا تقدم المساعدات على صورة هبات مالية مطلقة، بل توضع كودائع ومنح، تُنفق منها نسب متفق عليها في كل عام، وفق مشاريع تتقدّم بها الحكومة الأردنية وتقرّها الحكومات المانحة، ما يعني أنّ أغلبها يذهب إلى مشاريع ببرامج محددة، ومخرجات واضحة، وبصورة شفّافة وعلنية. وهو أسلوب أكثر جدوى وفائدة، وفقاً لما نراه مبدئياً من التزامات وإلزامات.
وفقاً لهذه التصوّرات، وضع وزير العمل خطة محكمة، بالتنسيق مع مؤسسات وشركات في القطاع الخاص (سيعلنها قريباً)، تفتح الباب لتوفير 10 آلاف فرصة عمل. ويأتي ذلك ضمن طموح كبير يهيمن علينا جميعاً بإعادة "هيكلة سوق العمل" خلال الفترة القريبة المقبلة، وإحلال العمالة المحلية وتدريبها وتأهيلها في مختلف القطاعات لحل مشكلة البطالة التي تمثّل اليوم بالفعل "قنبلة موقوتة". لكن هذا يقتضي، أيضاً، إعادة النظر في التشريعات الناظمة للعمل والأنظمة التي تحكم الأسواق، لتعزيز حقوق العمّال وحماية الحدّ الأدنى من الأجور، وتعزيز ثقافة القطاع الخاص في المحافظات والمدن المختلفة، بدلاً من انتظار الجميع لوظائف الدولة؛ فلا يجوز أن تبقى الدولة ملاذاً لـ"البطالة المقنّعة"، ولعلاقات غير صحيّة ولا سليمة بين المؤسسات الرسمية والمجتمع، أو بين البرلمان والسلطة التنفيذية.
في الأفق الاقتصادي- الاستراتيجي، أيضاً، فرص اقتصادية كبيرة، مثل العلاقات الاستراتيجية مع العراق التي يمكن أن تنجم عنها منافع كبيرة للاقتصاد الوطني. ما يعني أنّنا نملك اليوم مفاتيح مهمة لتدشين نقطة انطلاق جديدة للاقتصاد الوطني. لكن الأمر مرهون أولاً وأخيراً بوجود إدارة حكومية تمتلك الخبرة والكفاءة والرؤية العميقة لتحريك عجلة الاقتصاد والتنمية، وفتح فرص جديدة، واستثمار المتغيرات الإقليمية بصورة جيّدة، والواقعية في الخطط المطروحة، حتى لا نبني قصوراً من الأوهام في الخطط الإلكترونية، كما فعلنا في أعوام ماضية، لنكتشف لاحقاً أنّها أضغاث أحلام دفعنا -وما نزال- ثمناً باهظاً لها ولسماسرتها!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد