فوجئت ذات يوم بان كتابا اشتريته من احدى المكتبات وكان عنوانه الدراما الاسيوية لم يكن له اية علاقة بالمسرح او بالادب بشكل اعم، ومؤلفه متخصص في الاقتصاد السياسي، ويبحث في ظاهر لها علاقة بمفهوم نمط الانتاج الاسيوي ودولة الاستبداد الاسيوية والبطالة الى اخر هذه المفردات المتعلقة بعلم الاقتصاد ومنذ ذلك الكتاب لم تعد الدراما او حتى التراجيديا بالنسبة لي ادبا بقدر ما هي واقع سياسي واجتماعي. فالفن لا يخترع واقعا بقدر ما يعبر عن الواقع بكل ابعاده وتجلياته.

وفي الاعوام العشرة الماضية ذاع صيت الدراما السورية كمسلسلات تلفزيونية وانشطة فنية في هذا المجال وبدأت تنافس معاقل الدراما العربية في مصر، لكن التاريخ سرعان ما تدخل لانه كما وصفه هيجل ماكر وله كمائن وفخاخه التي ينصبها في الطريق.

فجاءت هذه الدراما السورية ذات الاف الحلقات والتي تبدو بلا افق او نهاية انها دراما من طراز اخر رغم ان الفضائيات ايضا تعيش عليها بعد ان استبدلت الدراما في الفن بمسلسلات تركية مدبلجة بحيث تأتي الابتسامة احيانا بعد موعدها، وكذلك لحظة الحزن.

هذا بالطبع شجن اخر، يتراجع امام الشجن الاكبر الذي يبث الان وعبر الميديا الكونية باللحم الحي وبالدم الحي وليس بالماء المصبوغ، كما ان البكاء في هذه الدراما لا يحتاج الى حيل سينمائية وتلفزيونية كتقطير العينين، فهو ينهمر بقوة من منابعه البشرية لقد حلت دراما سياسية وافلام اكشن واقعية مكان الدراما بمعناها الفني.

وتضاعف عدد الممثلين الاف وربما ملايين المرات، اما الانتاج والاخراج فلهما في هذه الدراما دلالات اخرى تتولاها سياسات دولية واقليمية، وايديولوجيات ترجلت من المحاريب والكتب الى الشوارع.

ان اي كتاب سيصدر بعد الان عن الدراما السورية علينا ان نفاجأ بمضمونه فلا نبحث عن باب الحارة او عن مقالب غوار او التغريبة الفلسطينية، فالتغريبة الان قومية بامتياز وهي عراقية ومصرية وتونسية وقد تشمل التضاريس كلها.

فبعد ان ودع الفلسطيني اخر خيمة بدأت خيام اخرى لامة من اللاجئين.

تلك الدراما التي لا تنتهي عند ثلاثين حلقة او الف، ونجومها الذين نعرفهم اصبحوا في اجازة بعد ان حل مكانهم ممثلون جدد.

ولم يعد السينارست العربي بحاجة الى العودة للتاريخ ليقدم دراما وتراجيديات عن زمن غارب، فالحاضر اصبح منجما اسطوريا لهذه الدراما.

فلا حاجة الى برامكة او مماليك او حتى امراء طوائف في الاندلس.

واقعنا العربي احرج المثقف وكاتب الدراما وحتى الرسامين، لانه تجاوز الخيال الى سوريالية لم تمر بها اوروبا او بما يشبهها بين حربين عالميتين، وتبدو لوحات من طراز تلك التي رسمها بيكاسو وسلفادور دالي عن الحرب الاهلية في اسبانيا مجرد مشاهد عادية ومألوفة اذا قورنت بالجورنيكا العربية التي رسمت بالدم والدمع وبقيت مجهولة الرسام لانها حتى الان بلا توقيع


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور