حكم مؤخراً بالاعدام في بلد عربي على أب، ضرب ابنه حتى الموت، وتلك عقوبة يستحقها من عادوا الى ثقافة الوأد بالتقسيط، سواء بضرب الأبناء أو الحجر على حرياتهم وعقولهم وتحويلهم الى قطعان آدمية تعيش بالعلف وحده.
الثلاثي الحزين في عصر تطغو فيه الثرثرة ورذاذها على السطح هم المرأة والطفل والفقير.
انهم ضحايا مجتمعات باترياركية تحرم الانسان من بلوغ سن الرشد أو الفطام بمعناه العقلي، فالمرأة رغم كثرة أعيادها والمؤتمرات المكرّسة لها تدرك بأن حريتها لن تهدى لها كالحليّ أو زجاجات العطر، وان ما يجود به المجتمع الذكوري عليها من فائض حريته قابل للاسترداد في أي وقت، فالمسألة ليست لوائح حقوق أو توصيات من هيئات دولية، انها ثقافة وأعراف، لهذا ان تأزف لحظة الاختبار حتى يعود الذكر المتنكر تحت قناع حديث الى مكوناته الأولى، بحيث يتراجع التطبع أمام الطبّع، والمؤتمرات الكونية التي عقدت من أجل المرأة وقد أتيح لي أن أشارك في واحد منها في بكين لم تسمع بها ملايين النساء في القارات المنكوبة بالتخلف والفقر واضطهاد النساء، وهناك مناطق في هذا العالم تعامل فيها النساء كالمواشي، فلا حقوق لهن خارج المأوى والرّغيف، وقد يفقدن حتى هذا الحق الذي ينعم به الحيوان.
تلك الملايين لا تصل اليها الكاميرات ولا حتى الكهرباء، لهذا فجرائم الوأد بمختلف أشكاله تتم بلا شهود وقد يكون الوأد في التراب أرحم من الوأد وابقاء الضحية على قيد الحياة.. لانه عندئذ يصبح وأداً مزدوجاً.
والعربي الذي صدق بأنه يعيش في الالفية الثالثة بعد الميلاد يفرط في الثرثرة عن حقوق المرأة كي يعوض ما يخفيه فهو يريد الحرية لكل نساء العالم باستثناء زوجته وبناته وشقيقاته، وما ان تأزف لحظة الاحتكام حتى يرسب مثقفون وناشطون لانهم يضيفون الى جريمة الوأد رذيلة الكذب.
والضلع الثاني في هذا الثالوث يكفي ما نقرأه من احصاءات عن أحواله.. فهو طفل الشارع وطفل العمالة الرخيصة.
وقد لا يعرف بعض الآباء كم من اطفال العرب يموتون كل يوم بسبب نقص المناعة وشحة الدواء، وكم يسقطون من هذا الغرباء الواسع الثقوب الذي يضيع منه القمح والزؤان معا، فمن اطفال العشوائيات المعمارية الى اطفال العشوائيات الثقافية والاجتماعية ثمة ملايين يتحولون الى الغام في طريق المستقبل.
والضلع الثالث في مثلث الرعب هذا هو الفقير، الذي بلغ حدا من العوز يستحق اعادة تعريف الفقر، فهناك اكثر من ملياري انسان موتى بلا قبور ونصيب العالم العربي الذي يعم بفائض الثروة وفائض الفاقة معا يستحق الدخول الى موسوعات جينس.
حتى بعد الثورات، ازداد عدد هؤلاء الضحايا ولم ينقص، لان البطالة تضاعفت نسبها، والرغيف والكرامة اللذان سال لعاب الفقراء عليهما تحولا الى مجرد سراب
|
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|