بدءاً كي أوضح ما أعنيه بدقة حول صورتنا عن أنفسنا أروي حادثة وقعت قبل زمن ليس بالقصير، فقد جمعتنا دعوة من الصديق الراحل حسن التل بمناسبة وجود المفكر المصري عبدالوهاب المسيري ودار حوار ساخن حول العديد من القضايا، وعندما أطلْت الحديث مع د. عبدالوهاب وهو صديق قاطعني أحد المدعوين قائلاً: ليكتف كل منا بسؤال للضيف، عندئذ ضحك الدكتور عبدالوهاب واستغرب هذا العرض السّخي، وقال لمن تقدم به «انه ليس في مؤتمر صحفي» كما ان الشخص الذي يحاوره وهو أنا صديق وكاتب وننشر معاً مقالات في الهلال ووجهات نظر المصريتين.
أحسست بشيء من الخجل وتشاء المصادفة ان يجمعنا الصديق الراحل أبوبلال مرة اخرى بمناسبة وجود الأخ خالد مشعل، وأوشك المشهد ان يتكرر لولا ان الضيف العزيز خالد استدرك الأمر، واستطيع رواية عشرات الوقائع من هذا الطراز، وهي جميعها عيّنات نموذجية ومجسدة لافتضاح صورتنا عن أنفسنا، فالانسان يحدد موقعه تبعاً لتحديد مواقع الآخرين ومن يقف في الوادي لا يحتاج الى القول بأنه يرى جبلاً والعكس صحيح ايضاً.
ولا أدري كيف تشكلت صورتنا في أذهاننا عن أنفسنا فما يصبح للآخرين محرم علينا والمسألة برمتها ذات صلة بالاستحقاق أو عدمه لأسباب يصعب طرحها في هذا المقام.
اننا كأفراد سواء كانوا مفكرين أو رجال اعمال أو دبلوماسيين نشعر بندية كاملة مع كل زملائنا في العالم، وأحياناً نظفر منهم بكرم فأول استحقاق سواء كان هذا الاعتراف في مناظرات أو جوائز أو مساهمات في النشاط الذهني، لكن ما ان يتجرأ أحد هؤلاء الأفراد على رواية أحداث حتى يظهر الشك والريبة في عيون الآخرين، وكأنهم يقولون لأنفسهم اننا لسنا كذلك، لهذا فان كل من يشبهنا ليس كذلك ايضاً.
أفراد لا ينقصهم التفوق، سواء كانوا أطباء في عواصم الغرب والعالم أو اكاديميين بارزين أو اعلاميين، لكن ما ان يأتي حاصل الجمع حتى تكون النتيجة مذهلة وصادمة، فهل سبب ذلك غياب السياقات والانساق بكل مستوياتها؟ أم ان علينا ان نحصل على شهادات اعتراف وحسن سير وسلوك من كل القارات باستثناء مساقط رؤوسنا كي لا نتعرض للتكذيب؟.
ما أقوله هنا يفكر به مئات وربما آلاف الاشخاص نساء ورجالا في بلادنا لكنهم يشعرون بالحرج اذا جهروا بهواجسهم خشية من التأويل والتقويل وكل افرازات ما يسمى «الديرتي مايندز» لأننا لا نحب ان نسميها باسمها العربي من باب اللياقة.
في مصر رغم كل ما ألم بها من وعكات لا يمضي اسبوع لا تحتفل فيه مؤسسات ثقافية واعلامية بمبدع سواء كان طبيبا من طراز يعقوب أو عالماً من طراز زويل أو كاتباً أو مفكراً، فهذا بلغ الخمسين وذلك بلغ الستين وثالث بلغ السبعين، واحيانا يصبح عيد ميلاد احدهم كأنه عيد وطني للبلاد..
أما نحن فمن مات طواه النسيان فوق التراب ومن شاخ اصبح رهين المحابس الثلاثة وليس المحبسين كما يقال، ومن هاجر خرج من القلب والعقل والذاكرة الى ان يصلنا النعي، لأن الله أبعده وأسعده
|
ما الحكاية؟ وكيف تشكلت هذه الكيمياء العجيبة؟ وصار التنافس بيننا على التصغير والتهميش والتناسي الارادي؟؟.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|