قال أبو محمد: علي بن أحمد بن حزم الأندلسي كداءُ الممدودة، بأعلى مكة عند المحصب دار النبي صلّى الله عليه وسلّم من ذي طوى إلىها، وكُدًى بضم الكاف وتنوين الدال بأسفل مكة عند ذي طوى بقرب شِعب الشافعيين، ومنها دار النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المُحصّب، فكأنه ضرب دائرة في دخوله وخروجه بات بذي طُوى ثم نهض إلى أعلى مكة فدخل منها وفي خروجه خرج من أسفل مكة ثم رجع إلى المُحصّب، وأما كُدَى مصغرًا فإنما هو لمن خرج من مكة إلى اليمن وليس من هذين الطريقين في شيء. أخبرني بذلك كله أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العُذرى عن كل من لفى من مكة من أهل المعرفة بمواضعها من أهل العلم بالأحاديث الواردة في ذلك هذا آخر كلام ابن حزم، وغيره يقول: الثنية السفلى هي كداء، ويدل عليه قول عبيد الله بن قيس الرقيات:
اقفرت بعد عبد شمس كداءُ
فكُدَى فالركن فالبطحاءُ
فمنى فالجمار من عبد شمس
مقفرات فبلدح فحراءُ
فالخيام التي بعسفان فالجحفة
منهم فالقاع فالأبواء
موحشات إلى تُعاهن فالسقيا
قفار من عبد شمس خلاءُ
وقال الأحوص:
رام قلبي السلو عن أسماء
وتعزّي وما به من عزاء
أنني والذي يحجّ قريش بيته
سالكين نقبَ كداء
لمْ ألم بها وإن كنت منها
صادرًا كالذي وردت بداء
كذا قال أبو بكر بن موسى: ولا أرى فيه دليلا.
وفيها يقول أيضا:
أنت ابن معتلج البطاح
كُدَيّها وكدَاءَها
وقال صاحب كتاب (مشارق الأنوار)، كَدَاءُ وكُدَى وكُدًىّ وكُداءُ ممدود غير مصروف بفتح أوله بأعلى مكة وكُدَىّ جبل قرب مكة.
 
قال الخليل: وأما كُدًى مقصور منون مضموم الأول الذي بأسفل مكة والمشلل هو لمن خرج إلى اليمن ليس من طريق النبي صلّى الله عليه وسلّم في شيء.
قال ابن المَوًّاز: كَدَاءُ التي دخل منها النبي صلّى الله عليه وسلّم هي العقبة الصغرى التي بأعلى مكة، وهي التي تهبط منها إلى الأبطح، والمقبرة منها على يسارك وكُدًى التي خرج منها هي العقبة الوسطى التي بأسفل مكة، وفي حديث الهيثم بن خارجه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل من كُدًى التي بأعلى مكة بضم الكاف مقصورة، وتابعة على ذلك وهيب وأسامة، وقال عبيد بن إسماعيل: دخل عليه الصلاة والسلام عام الفتح من أعلى مكة من كَدَاء ممدود مفتوح وخرج من كُدى مضموم ومقصور وكذا في حديث عبيد بن إسماعيل عند الجماعة، وهو الصواب إلا أن الأصيلي ذكره عن أبي زيد بالعكس، دخل النبي صلّى الله عليه وسلّم من كَدَاءَ وخالد بن الوليد من كُدًى، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما دخل في الحج من كَدَاءٍ ممدود مصروف من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه دخل من كَدَاءٍ من أعلى مكة ممدودة وعند الأصيلي مهمل في هذا الموضع قال: كان عروة يدخل من كلتيهما، من كَدَاء وكُدَيّ، وكذا قال القابسي: غير أن الثاني عنده كُدْى غير مشدد ولكن تحت الياء كسرتين أيضًا وعند أبي ذر القصر في الأول مع الضم، وفي الثاني الفتح مع المد (17).
 
وجاء في كتاب (مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع) لصفي الدين عبدالمؤمن بن عبدالحق البغدادي المتوفى سنة (739هـ) أن (كَداء) بالفتح، والمد: ثنية بأعلى مكة عند المُحصّب دار النبي صلّى الله عليه وسلّم من ذي طُوى إلىها.
 
وكُدًا، بضم الكاف، والتنوين: بأسفل مكة، خرج منها النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة.
 
وكُدَيّ، بالتصغير: مناخ من خرج من مكة يريد اليمن (18).
وفي شفاء الغرام يقول الفاسي - رحمه الله -: كَدَاء، الموضع إلى يُستحب للمُحرم دخول مكة منه، وهو الثنية التي بأعلى مكة التي يهبط منها إلى المقبرة المعروفة بالأبطح، ويقال لها الحجون الثاني.
 
ويقول الفاسي: إن الفاكهي بعد أن ذكر شِعب المقبرة قال: ومن ثنية المقبرة دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع.
 
كما يقول الفاسي: وقال بعضهم: قيل: إن ثنية المقبرة هو اسمها، يقال لها ثنية المقبرة، ويقال اسمها هذا وهي ثنية المعلاه انتهى. ويقال اسمها كداء (19).
 
وفي تحصيل المرام يقول صاحبه الصباغ المتوفى سنة 1321هـ: إن الفاسي يقول: كانت بمكة منائر كثيرة في شعابها وغيرها، وكان في فجاج مكة منائر كثيرة ذكرها الفاكهي.
 
من هذه المنائر ينقل الصباغ عن الفاسي ذِكْرَهُ قول الفاكهي: ولعبدالله بن مالك منارة على جبل بن عمر ومعها منارة لبغا أيضًا، ولعبدالله على كُدَيّ منارة تشرف على وادي مكة (20).
 
ويقول الصباغ كَدَاء - بفتح الكاف والدال - في البخاري عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل من كداء من الثنية العليا التي بالأبطح.
 
وهذه الثنية هي الثنية الصغرى المعروفة بين الجبلين التي بأعلى مكة ينزل منها إلى الحجون مقبرة أهل مكة (21).
 
وفي مرآة الحرمين يقول إبراهيم رفعت باشا أمير الحج المصري عام 1320هـ (1903م) و1321هـ (1904م) و1325هـ (1908م) أن مكة المكرمة ببطن واد يحيط به سور من الجبال الشامخة قد بنيت عليها الحصون المحكمة، وليس بسورها الجبلي ثغرات إلا حيث مداخلها الأربع، ففي الشمال الشرقي الطريق إلى منى، وفي الجنوب الطريق إلى اليمن، وفي الشمال الغربي طريق إلى وادي فاطمة، وفي الشرق الطريق إلى جُدة. وتلك الجبال تكون سلسلتين شمالية وجنوبية تتركب الأولى من جبل الفلج غربًا ثم جبل قعيقعان ثم الجبل الهندي ثم جبل لعلع ثم جبل كَداء (بفتح أوله ومدّ آخره) وهو في أعلى مكة ومن جهته دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والثانية تتركب من جبل أبي حديدة غربًا يتلوه جبلا كُدَي وكُدَيّ (كلاهما بضم أوله والأول مقصور والثاني مصغر) بانحراف إلى الجنوب ثم جبل أبي قبيس إلى شرقيها ثم جبل الخندمة (22).
 
ويقول الشيخ محمد طاهر الكردي (المتوفى سنة 1400هـ - 1980م) - رحمه الله - في التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم: ثنية كُدًي - بضم الكاف وبفتحتين على الدال المقصورة - وقيل - بضم الكاف وفتح الدال وتشديد الياء مصغرًا، لا يُعلم موضعها تمامًا. فبعض المؤرخين قال عنها: إنها طريق الخارج من مكة من جهة الشبيكة، وهذا يقتضي أنها تمتد من الشبكية إلى آخر ريع الرسام. وبعضهم قال: إنها بأسفل مكة يُخْرَجُ منها إلى اليمن، وهذا يقتضي أنها تمتد من السوق الصغير إلى جهة بركة ماجن بالمسفلة (23).
 
ويقول الكردي أيضًا: وبأسفل مكة ثنية يقال لها: كُديّ، بالضم وتشديد الياء وتنوينها، ويخرج منها إلى جهة اليمن، ذكر ذلك المحب الطبري، قال: وقد بني عليها باب مكة الذي يدخل منه أهل اليمن ويخرجون، هكذا قال في شرح التنبيه، وقال في القرى: والثالثة كدي، بالضم وتشديد الياء مصغر، موضع بأسفل مكة، والأوليان هما المشهورتان، وهذه يخرج منها إلى جهة اليمن (24).
 
وفي شذرته رقم 137 يقول صاحب شذرات الذهب الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي المتوفى عام (1401هـ) - رحمه الله - عن كَداء و(كُداء) وكُدّي ما ننقله هنا بتصرف:
“عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: “رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل مكة من (كداء) من الثنية العليا التي بالبطحاء.. وخرج من الثنية السفلى”.
 
يقول الغزاوي: وقد نصّ العلماء على أن (كَداء) بالفتح الحجون وهي الثنية العليا التي ينزل منها إلى المعلى (مقبرة أهل مكة) والثنية السفلى يقال لها (كُداء) بالضم من أول حارة الباب بمكة وهي التي يطلق عليها المتأخرون “ريع الرسان” – “أو الرسام”.. وسبب كل منهما معقول فقد كان بها مركز للترسيم... كما كان بها حانوت لصنع أرسان الجمال.. فأما (كُدى) فهي الثنية التي بأسفل مكة وقد فتح بها طريق إلى منى ومزدلفة ورصف وسفلت وعُرف بهذا الاسم (25).
 
ولإلقاء نظرة على أكدية مكة المكرمة في وقتنا الحاضر في القرن الخامس عشر الهجري فإن من المفيد ذكر ما أورده أحد أهم المؤرخين المتأخرين الشيخ العلامة: عاتق بن غيث البلادي – رحمه الله – عن أكديه مكة.
 
يقول البلادي: الأكدية بمكة ثلاث. كَدَاء بفتح الكاف والمد. وكُدىً بضم الكاف والقصر منونًا. وكُدىِّ بضم الكاف أيضًا وفتح الدال والياء المثناه تحت.
ويقول البلادي عن كداء:
كَدَاء: بفتح الكاف وفتح الدال المهملة والمد:
ثنية من ثنايا مكة أصبحت تعرف اليوم بريع الحجون، تفصل بين جبل قعيقعان وجبل الحجون، وتفضي إلى البطحاء على مقبرة أهل مكة، وكانت هذه الثنية كداء شاقة المسلك، وما زالت الحكومات المتعاقبة تنجر جوانبها وتسهلها حتى أصبحت واسعة المسلك. ويقول البلادي: إنه وحتى إعداد كتابة المشار إلىه، أي عام (1403هـ - 1983م) والعمل جار في توسعتها. ويذكر البلادي قول ابن قيس الرقيات:
أقفرت بعد عبد شمس كَدَاء
فَكُدي فالركن فالبطحاء
ويذكر أيضًا قول ابن أبُي سنة العبلي:
أفاض المدامع قتلى كدى
وقتلى بكثوة لم ترمس
وعن كُدَىّ: بضم الكاف وفتح الدال والياء المثناه تحت يقول البلادي:
كُديّ: لا يزال معروفًا، يصل بين مسفلة مكة وجبل ثور جنوب المسجد الحرام.
أما كُدىّ: بضم الكاف والقصر منونًا فإنه يعرف اليوم بريع الرسام، ذلك أن باب جدة كان فيه، وفيه كان يؤخذ الرَّسم على البضائع الداخلة عن طريق جدة، وسُمِي الحي الذي قام عند هذا الباب حارة الباب، ثم نقل باب جدة إلى جرول، حيث يسمى اليوم البيبان، نسبة إلى باب جدة الأخير (26).
هذه هي أكدية مكة المكرمة، كَدَاء وكُدىً وكُدَىّ، ثلاث من معالم مكة المكرمة وجزء من تراثها، قصصها تروى جزءًا من تاريخ البلد الأمين، وتبيّن كيف تكون الجغرافيا ذاكرةً للتاريخ.

المراجع

makkawi.com

التصانيف

مكة المكرمة  جغرافية مكة   اللّغات   التاريخ