ما ان يجازف أي مسؤول أمريكي بالخروج ولو ملمتر عن بيت الطاعة الصهيوني حتى يدفع الثمن، وما قاله جون كيري مؤخراً عن الاستيطان والعقبات التي تؤجل السلام ليس خروجاً عن النص، أو حتى تجاوزاً للخط العِبْريّ الأحمر، وبالرغم من ذلك وصفه عاموس جلبوغ بالعدو لاسرائيل، لأنه قال بأن الفلسطينيين وربما العرب كلهم سيكون لهم خيار آخر اذا فشل السلام، وحين يقول كيري أو سواه بأن الانفجار الفلسطيني سيكون البديل عن السلام، فهذا ليس سحباً لاعتراف ترومان باسرائيل، وليس تهديداً باستخدام الفيتو ضدها ولو لمرة واحدة يتيمة على سبيل التجريب والتنويع.

يقول الكاتب الذي يريد من امريكا والعالم كله ان يتحولوا الى ببغاوات يرددون صدى صوته ان وزير الخارجية الامريكي كان ذات يوم يعرف من زئيره، وكأنه يقول ان ما صدر عن كيري هو مواء أو هُراء، لأن المطلوب من أي دبلوماسي في العالم ان يقدم أوراق اعتماده الى تل ابيب أولاً ويظفر بالقبول كي ينال شهادة حسن السلوك من دوائرها.

قد لا يكون لمثل هذه المقالة أية قيمة حتى بالمعيار الصحفي، لكنها تصلح عيّنة من فكر يعيش داخل شرنقة، ويرفض الخروج من الاسطورة الى التاريخ.

وقد يكون سبب اختياري لهذه المقالة هو بالفعل كونها عيّنة من اتجاه مضاد للسلام والتاريخ لأن من يمثلونه يعيشون في دائرة مقفلة ويتوهمون ان الصواب هو دائما من ملحقات مستوطناتهم.

لهذا ما من حدّ ادنى للموضوعية والعقلانية في التقييم الذي يمارسه هؤلاء لدبلوماسيين أو زعماء، منهم رأوا في السادات أثناء حرب اكتوبر مجازفاً وتخلو شخصيته من مقومات الزعامة، لكنهم عادوا بعد خمسة اعوام وبعد زيارته للقدس ليقولوا بأنه حكيم، وغاندي وأشجع رجال زمانه.

وهذا النمط من التفكير وتقييم اداء الآخرين ينطوي على قدر كبير من الترهيب، واقل ما يمكن ان يوصف به الخارجون عن بيت الطاعة هو اللاسامية، هذا العقاب الجاهز الذي تعرض له زعماء ومثقفون وناشطون من مختلف انحاء المعمورة

ولأن الفكر الذي يتشرنق داخل الاسطورة ويختنق اذا شمّ اكسجين التاريخ هو ثنائي بالضرورة، فما من بعد ثالث له ولا يعرف الجدلية ايضا، فمن ليس معه هو عدوه بالضرورة، وتلك هي الجرثومة التي اصابت اليمين الامريكي المتطرف خصوصاً جورج بوش الابن عندما أعلن هذه الثنائية وقال ان من ليس معه هو بالضرورة ضده

وكان بوش في هذه الاطروحة الخرقاء يعتدي اولا على العقلانية التي انجزتها الحضارة في الغرب فقفز برشاقة ورعونة حارقاً المراحل لكن نحو الماضي والقرون الوسطى

نحن نعرف وكذلك اصدقاؤنا ممن احتكوا بمثقفين غربيين سواء في امريكا أو المانيا أو حتى فرنسا بأن هؤلاء يعانون من ترهيب صهيوني شديد، لهذا يهمسون احيانا في آذاننا ما لا يستطيعون الجهر به من خلال المنابر الاعلامية، والغرب بدءاً من امريكا مطالب بأن يحرر وعيه وعقله من هذا الاستيطان الفكري. وهذا ما بدأ البعض يغامرون بإعلانه


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور