مرة اخرى يعود قانون المطبوعات والنشر الى ساحة الجدل والنقاش، ليثبت هذا الامر اننا في الاردن محترفون في صناعة القضايا التي تشغلنا وتسيء الى مسار يفترض انه يسير الى الامام في قضايا الديمقراطية والحريات العامة.
وجوهر القضية ليس فقط في الملاحظات القائمة على المشروع الذي قدمته الحكومة الى مجلس النواب، ويقوم هذا الأخير بدراسته حاليا، بل في تلك الحيرة التي جعلتنا نصدر منذ العام 1993 العديد من قوانين المطبوعات، وكأن ما نريده من حريات صحافية، وما تريد الحكومة معالجته من قضايا الصحافة، هو اختراع يحتاج الى اصدار عدة قوانين منذ العام 1993 وحتى اليوم! والغريب ان شكوى الحكومات، وحتى عامة الناس، من تجاوزات واشكالات لا يعالجها هذا القانون، ولا القوانين السابقة!
نظريا، يفترض اننا نسير في كل عام خطوة الى الامام؛ أي يفترض أن قانون العام 1997 يصحح عيوب قانون العام 1993، لكن ما يحدث هو العكس؛ فكل قانون جدد يحمل معه مشكلة، ربما باستثناء القانون الذي جاء في العام 1999، والذي كانت فيه امور ايجابية.
الان، هنالك ضجة على المشروع الذي لدى مجلس النواب. وأصل التقصير او الخلل لدى الحكومة التي قدمت المشروع. وكان الامل بلجنة التوجيه في مجلس النواب ان تسد الثغرات، وأن تستمع الى ملاحظات القطاع الصحافي. وربما لا يسمع الناس الا بحكاية حبس وتوقيف الصحافي، وهذه المادة كان فيها التوجيه الملكي واضحا، عندما اشار جلالة الملك غير مرة، وفي مقابلات صحافية، الى ضرورة الغائها، لكن اللجنة اوصت بإبقائها! فهل ينتظر النواب إقرار القانون، ليتم رده بعد ذلك من قبل الملك وإعادته الى مجلس الامة، وهو سيناريو محرج للمجلس؛ او ان يتم توجيه المعنيين الى ضرورة ان لا يخرج القانون وهو يحمل هذه التوجهات السلبية، التي تترك على الاقل صورة سلبية للاردن لدى الجهات الراصدة لمستويات الديمقراطية والحريات العامة؟!
وبالمناسبة، ليس المطلوب هو عدم حبس الصحافي، اي اعطاءه استثناء، لكن ان لا تكون قضايا المطبوعات لها عقوبة حبس. والمشكلة ليست فقط في قانون المطبوعات، بل في قوانين اخرى، مثل قانون العقوبات.
هنالك ملاحظات عديدة يتداولها الوسط الصحافي والخبراء حول المشروع، منها حبس الصحافيين في قضايا المطبوعات والنشر، ومثول الصحافيين امام نيابة ومحكمة امن الدولة في بعض الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة؛ وكذلك مثول الصحافيين امام المحاكم طوال اجراءات المحاكمة، وتعدد القوانين التي يحاكم بموجبها الصحافيون في قضايا المطبوعات والنشر، وحق الصحافيين في الوصول الى المعلومات والأخبار والحصول عليها من مصادرها، وتوسيع دائرة التجريم، وتغليظ العقوبة المالية في قضايا اعتمدت على الفاظ فضفاضة.
تخوف قطاع الصحافيين من الموقف النيابي مبني على تحذيرات من اوساط عديدة بعد قضية ضرب المصورين في مجلس النواب، والموقف الحازم للصحف والنقابة والمجلس الأعلى والصحافيين. بل ان بعض الاوساط النيابية تزعجها الانتقادات التي توجهها الصحافة لاداء المجلس. والتخوفات من ان يكون الموقف من قانون المطبوعات هو جزء من الموقف من الصحافة، ورد فعل على ما سبق.
وايا ما كانت صورة قانون المطبوعات النهائية، فإن علينا ان نبحث عن قانون ينهي مسيرة حافلة بالتعديلات وكثافة القوانين؛ فالاستقرار التشريعي دليل عافية في اداء الحكومات والمجالس التشريعية، ودليل على امتلاك رؤية واضحة لما نريد من الإعلام والصحافة، اما عندما نغير القانون كل عام او عامين، فمعنى هذا اننا في حيرة ناتجة عن غياب الرؤية المتكاملة.
قانون المطبوعات جزء من حالة الارتباك في ادارة الملف الاعلامي العابر للحكومات، وهو ارتباك عناوينه ملف الصحافة الاسبوعية، والمجلس الاعلى للاعلام، والغاء وزارة الاعلام، واستقلالية الاعلام الرسمي، وعلاقة الحكومات مع الصحف، وعناوين عديدة أخرى لا يتم التعامل معها باعتبارها قضايا يتم حلها بطريقة علمية ومنهجية، ولكن بحسب مزاج كل حكومة وقدرتها. ومع تغير الحكومات تتغير الأمزجة والقدرات والحلول الحقيقية. لهذا، لم تحل المشكلات، بل ان الحلول تحولت الى مشكلات جديدة، بما فيها مشروع القانون الذي يدرسه مجلس النواب حاليا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة