في اليومين الماضيين، أصرّ رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، على نظافة جيبه من تهم الفساد، ومن أجوبة حاسمة حول تشكيلة الحكومة الجديدة إلى الآن، عبر القول بأنّ "الإجابة ليست في جيبي"، مشيراً إلى أن المسألة مرتبطة بحصيلة المشاورات مع الكتل النيابية. إلاّ أنّه تحدث أمس بصراحة مع كتلة "التجمع الديمقراطي" بعدم ممانعته مشاركة النواب بنسبة كبيرة في الحكومة، في حال لم يؤثّر ذلك على الكتل النيابية، فيؤدي إلى تفجيرها من الداخل!
على صعيد المشهد البرلماني، من المفترض أن تحسم كتلة "وطن" موقفها اليوم، فيما بدت المؤشّرات الأولية بوجود اتجاه قوي داخل الكتلة يدفع نحو ضرورة وجود نسبة كبيرة من النواب في الحكومة، تصل إلى حدود 40 %، وإلى تحديد عدد حقائب الكتلة، وترك مساحة للرئيس لاختيار من يريد هو من النواب.
أما كتلة "التجمع الديمقراطي" (التي التقت الرئيس أمس)، فهي في حالة تجاذب داخلي بين مؤيدين للتوزير ومعارضين له، فيما يفضّل اتجاه داخل الكتلة ألا تتورط في الدخول إلى الحكومة بحقيبة أو حقيبتين (سواء من المجلس أو من خارجه)، ولا تتحمّل مسؤولية السياسات الرسمية، وتمنح نفسها "هامش مناورة" أوسع في مسألة الثقة، والميل نحو تشكيل "حكومة الظل"، حتى لا يسقط المجلس في "فخ" المجلس السابق الذي كسّر مجاذيفه مع الشارع منذ الأيام الأولى بالثقة الخيالية لرئيس الوزراء سمير الرفاعي، بحيث أطلق عليه مصطلح "مجلس الـ111".
النواب الذين يدافعون عن الانخراط في الحكومة يعلّلون ذلك بأنّ هذا هو الأصل في الحكومة البرلمانية، وإذا كان من الصعوبة بمكان تطبيقها بحذافيرها حالياً (أي أن تنبثق من رحم المجلس)، فإنّ الوصول إلى تلك المرحلة يأتي بالتدريج؛ عبر إدخال مجموعة من النواب أولاً، ثم زيادة الجرعة في التعديلات المقبلة.
ويحاجج هؤلاء بأنّ النواب هم من سيتحملون المسؤولية أمام الشارع عن تمرير سياسات الحكومة، فالأفضل أن يكونوا مشاركين بصورة مباشرة، بدلاً من أن يتورطوا في تحمل مسؤوليتها وهم غير مشاركين فيها.
الصيغة التي بدأت تصعد بوصفها إطاراً عاماً لتشكيل حكومة تضم نواباً، تتمثل في تخيير الرئيس للكتل ابتداءً بين التنسيب بأشخاص من خارج القبة أو من داخلها لنيل الحقائب الوزارية، ثم يُعطَى الرئيس اختيارات متعددة، يقوم هو بتفضيل أحدها، وفقاً للمعادلات التي يعمل وفقاً لها.
هذا الإطار-المخرج ربما يقلّل ويحدّ، برأي البعض، من الخشية من انفجار الكتل النيابية نفسها من الداخل، تحت وطأة تنافس النواب وصراعهم على الحقائب الوزارية من جهة، أو الاختلاف حول الموقف من التوزير من جهة أخرى.
لكن العائق الأكبر يبدو في أنّ الكتل نفسها غير جاهزة، سياسياً وبنيوياً، في الفترة الحالية؛ إذ إنّ المشاركة في الحكومة يجب أن تنبني على "خيارات سياسية"، وبرامج لا اجتهادات شخصية أو "كوتا"، وكأنّنا نضيف إلى المعادلة التقليدية في تشكيل الحكومات (التي ستبقى سارية) وفق الاعتبارات العشائرية والجغرافية، عاملاً آخر هو "حصة الكتل النيابية"!
من مصلحة الرئيس أن يكون معه نواب في الحكومة، ليشكّلوا أدوات له داخل المجلس في تمرير الثقة بسهولة أكبر، وفي المساعدة على مواجهة الخصوم والدفاع عن السياسات الرسمية؛ لكن مثل هذا الخيار بمثابة مغامرة كبيرة مع كتل ما تزال طريّة!
في لقاءاته التي بدأت مع النواب أمس، يدخل النسور النفق الأول على أمل أن يخرج منه بنتيجة مقنعة لطرفين: الأول، هي الكتل النيابية التي ستمنحه الثقة، وتسانده خلال المرحلة الجديدة؛ والثاني، هو الشارع المشكّك في الحكومة والبرلمان معاً، وغير معني بالتفاصيل والمشاورات، إنما بالنتائج والسياسات!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد