لم يعد بإمكان الأردن الانتظار طويلاً مع تداعيات المشهد السوري، وما تنبئ به تطوّرات المشهد هناك من مؤشّرات وسيناريوهات أكثر خطورة على الأمن الوطني الأردني ومصالحنا الحيوية. وما يتسرّب من معلومات وتقارير (تأتي دائماً عبر الإعلام الغربي للأسف!) يشي بأنّ هنالك بالفعل سيناريو جديدا يتم التحضير له للتعامل مع المرحلة المقبلة.
ثمة أسباب وشروط تدفع بـ"مطبخ القرار" الأردني إلى تغيير مقاربته الحالية تجاه ما يحدث هناك:
أولاً، ملف اللاجئين الذي أصبح أمراً مؤرقاً حقّاً للأردن، في ضوء التزايد المطّرد والكبير في أعداد هؤلاء، مع توقعات بأنّ يتجاوزوا مع نهاية هذا العام أكثر من مليون شخص. وهو رقم بالنسبة لعدد سكّان الأردن كبير جداً، في ضوء محدودية الموارد الطبيعية والاقتصادية، وترهّل البنية التحتية، وضعف المساعدات الخارجية.
لا تقف انعكاسات هذا الملف على الجانب الاقتصادي، بل أصبحت تشكّل في الآونة الأخيرة صداعاً أمنياً واجتماعياً ملحوظاً، مع بروز مشكلات عديدة داخل مخيم الزعتري، وحتى في أوساط اللاجئين السوريين في المدن المختلفة، بخاصة في المفرق. وقد تطوّرت الأمور باتجاه اشتباكات دائمة مع قوات الدرك، ما أدى إلى استدعاء قوات البادية والشرطة الخاصة لحل المشاكل داخل المخيّم، والتي أصبحت بمثابة ظاهرة يومية.
المشكلة تكمن في أنّ المخيم ليس بيئة آمنة ولا صحيّة لعشرات الآلاف من اللاجئين. وهنالك شعور لدى أغلبيتهم بأنّه أشبه بسجن كبير، يضطرون للتعايش معه في ظل مساعدات محدودة، وفي شروط صحيّة ضعيفة، وظروف جوية وطبيعية قاسية. فمثل هذه البيئة ستكون محفّزة بصورة كبيرة للعنف والفوضى، وانتشار مظاهر مختلفة بائسة في المخيّم.
بالضرورة، لا يضيق الأردنيون ذرعاً بالأشقاء، وقد قدّم الشعب كثيراً. إلاّ أنّ الجمعيات التي تعنى بالمساعدة باتت تشكو هي أيضاً من انعكاسات ملف اللاجئين على المجتمع المحلي، وتحديداً على تكلفة إيجارات الشقق التي يتبرّع بها أشقاء عرب للأشقاء السوريين، مما أدّى إلى رفع معدل الإيجارات، بل وعدم توفّرها في كثير من الأحيان، فضلاً عن ازدحام سوق العمل بالأشقاء.
ما يبدو في الأفق يتمثل في أنّنا بانتظار ما هو أصعب مع تدهور الأوضاع الأمنية، وفي ضوء عجز الحل العسكري في سورية، وتلاشي أي خيوط أمل نحو حل سياسي عاجل، وانتشار مظاهر الفوضى والعنف والانفلات الأمني؛ ما يعني أنّ الأردن مرشح لاستقبال أعداد إضافية أخرى كبيرة من اللاجئين، الأمر الذي يعد بمثابة تصدير غير مباشر للأزمة السورية!
ثانياً، من الواضح أنّ زمام الأمور تفلت من أيدي النظام السوري، وأنّ الجبهات تفتح على حرب إقليمية غير مباشرة "بالوكالة". ونرى اليوم تدفقاً لمقاتلي جيش المهدي المتطرف من العراق، وعناصر من حزب الله، وفي المقابل هناك متطوعون من مختلف الدول ينضمون إلى جبهة النصرة، ما يعني اطّرادا ملحوظا في احتمالات سيناريو الفوضى والحرب الأهلية. وهذا واقع خطر جداً على الحدود الشمالية، يتجاوز سؤال صعود "القاعدة"، إلى وجود أطراف متعددة لها أجندات معادية للأردن، واحتمالات انتقال الفوضى والفلتان إلى دول الجوار! والبعض يشبه الحالة الراهنة بالمشهد العراقي قبل أعوام، لكنها في الواقع أخطر على الأمن الوطني، لأسباب جيو-استراتيجية وأمنية وثقافية ومجتمعية عديدة.
في المحصّلة، علينا أن نتحرك خطوة إلى الأمام، باتجاه إعادة النظر في الموقف من المساعدة على إقامة منطقة آمنة داخل الحدود السورية؛ من غير تدخل مباشر للجيش الأردني، لكن مع تقديم تسهيلات عديدة لتوفير فرصة إقامة هذه المنطقة، بما يستلزمه ذلك من تأمين الجانب الإنساني والاقتصادي، بالتعاون مع المجتمع الدولي. إمّا أن نمضي في هذا الخيار، أو ننتظر الأسوأ القادم حتماً!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد