الهاجس الذي يستولي على المواطنين بصورة مباشرة وفورية، هو الأوضاع الاقتصادية عموماً، وقضية الأسعار على وجه خاص. وما يؤرقهم على المدى القريب والمتوسط والبعيد، هو وحوش البطالة والفقر. وتقض مضاجعهم مشاعر الحرمان الاجتماعي، والفجوة المتنامية بين الأغنياء والفقراء، والارتفاع في معدلات التضخّم. وما يشكّل خطراً محدقاً على الأمن الوطني والاجتماعي، هي جيوش العاطلين عن العمل والمحرومين والفقراء، في حال عجزنا عن إيجاد مفاتيح التنمية والاقتصاد. وما حدث من حراك واحتجاجات على إثر قرار رفع الأسعار في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لم يشهد الأردن مثله خلال العقود الماضية!
الاقتصاد هو القضية المركزية المباشرة لدى أغلبية المواطنين اليوم. وهو، في الوقت نفسه، المعضلة التي لا يرى الناس بصيص أمل في مواجهتها. فبالرغم من كل ما يعلن من مشاريع واستراتيجيات وخطط لمواجهة البطالة وتوفير فرص العمل، إلاّ أنّ ما ينعكس بصورة ملحوظة ومباشرة على الواقع هو شيء قليل، بحيث أصبح الطيف الواسع من الشارع يعتقد أنّ ذلك كله ليس إلاّ دعاية للتسويق الإعلامي والسياسي.
الحكومة الحالية (وكل الحكومات السابقة) تفكّر فقط في حل الأزمة المالية في الموازنة. والمعارضة تقدّم، في المقابل، حلولاً مالية فقط أيضاً (مثل الضريبة التصاعدية، ومواجهة التهرب الضريبي، وإدماج المؤسسات المستقلة، وتخفيض النفقات الحكومية، وإعادة هيكلة النفقات ما بين القطاعات، وتغيير سلم الأوليات..). لكن، لا هذا ولا ذاك يخلقان فرص عمل حقيقية، ويولّدان مشروعات اقتصادية تنهض بالوضع العام، وتغيّر المزاج الاجتماعي السلبي المحبط، المتأثر بهذه الظروف القاهرة.
وليس فقط الحكومات؛ فحتى الخبراء والمتخصصون الاقتصاديون والأكاديميون لا نقرأ أو نسمع منهم حديثا عن المستقبل الاقتصادي بصورة علمية معمّقة؛ إذ لا نجد من يقول لنا كيف يمكن بالفعل إيجاد قطاع خاص فاعل في المحافظات، يحرّك عجلة الوظائف والنمو والسوق الراكدة!
بل لا أحد يفسّر لنا كيف يمكن أن يحصل عشرات الآلاف من الأشقاء السوريين اللاجئين، وخلال أشهر قليلة، على فرص عمل، وقبلهم مئات الآلاف من الأشقاء المصريين، بينما يعاني الشباب الأردني من البطالة؟ هل المشكلة في قوانين العمل (التي لا تهتم بالأجور)، أم في الثقافة، أم في هيكلية سوق العمل نفسها المفتوحة بدون ضوابط حقيقية في أغلب القطاعات؟!
لا نسمع تفسيراً للأسباب التي تجعل قطاع الزراعة لدينا متخلّفاً متراجعاً مقارنةً بإسرائيل، وإنتاج قطاع السياحة أقل بكثير مما يمكن أن يقدّمه! ولا نقرأ عن أسباب التراجع المستمر في مستوى التعليم الحكومي والتعليم العالي، ليس مقارنةً بدول أخرى، بل بما كانت عليه حال التعليم الحكومي لدينا نحن!
حتى لو نظرنا إلى وراء قليلاً، لا نجد قراءة محترفة معمّقة لأسباب فشل المشروعات الكبرى؛ مثل "سكن كريم" والمناطق التنموية، ولا لمعوقات الاستثمار.
ذلك لا يعني -بأيّ حال من الأحوال- أنّ الإصلاح السياسي ليس مهماً ولا يمثّل أولوية، بل هو في مقدّمة الأولويات. ونجاح الإصلاح الاقتصادي يرتبط بعجلة الإصلاح السياسي، وما نعانيه من أزمة ثقة أكبر دليل على ذلك. لكن العكس صحيح أيضاً؛ أي أنّ الإصلاح الاقتصادي (وليس فقط المالي المرتبط بالموازنة) هو مصدر النجاح والفشل، والاستقرار والتهديد، والف

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد