يعبر بنا مقال الزميل العزيز إبراهيم غرايبة، أمس، من قضية حرمان طالبتين (من الأوائل على الثانوية العامة) من حقهما في المنحة الدراسية (من قبل وزارة التعليم العالي)، إلى قضية أخلاقية رئيسة، تتمثّل بالدرجة الأولى في الشعور بغياب العدالة، والظلم الذي ينتشر في أوساط اجتماعية عريضة.
المقال يتحدث عن الطالبتين؛ تالا الشلختي (الأولى على المملكة بمعدل 99.6 %- الفرع العلمي) ورؤى كلوب (الخامسة على المملكة بمعدل 99.3 %- الفرع العلمي). والذريعة لدى وزارة التعليم لحرمانهما من المنحة تكمن في شرط "الوضع المادي" للطالبتين، كما يعرض بالتفصيل المهندس صخر كلوب (والد رؤى) في صفحته الخاصة (على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك").
القضية تتجاوز قصة المنحة والوضع المادي؛ إذ لو كان وليّا أمر الطالبتين من الأثرياء وفي غنى عن المنحة، فإنهما لن يتعبا نفسيهما بمقابلة الوزير، ولا إثارة الموضوع أمام الرأي العام. ولكنّهما (كما أجزم مما أقرأه من سطور النقاش) من أبناء الطبقة الوسطى، الذين تعبوا ودفعوا غالياً لإيصال أبنائهم إلى هذه الدرجة الكبيرة من التفوق، ثم يفاجآن بأن وزارة التعليم العالي تعاقبهما على هذا المجهود بحرمان ابنتيهما من المنحة!
عدد الطلبة الأوائل على المملكة هو فقط 30، من عشرات الآلاف. ووفق المؤشرات الموجودة، فهم يمثّلون ذروة التميز والإبداع، ويستحقون أكثر من غيرهم أن ينالوا من الدولة رعاية وعناية خاصتين، واهتماما بمتابعة مسارهم التعليمي والأكاديمي، وأن تبادر الدولة إلى هذا التكريم، لا أن تناور في قضية مستفزة تماماً للرأي العام!
المقارنة هنا مؤلمة ومريرة بين هاتين الطالبتين اللتين تتفتق إبداعات المسؤولين عن إيجاد سبب لحجب المنحة عنهما، وبين ما نعرفه عن عشرات (إن لم يكن مئات) من أبناء مسؤولين وأصحاب الحظوة والجاه (خلال الأعوام السابقة) ممن أخذوا منحاً وفرصاً، ودفعت الدولة عليهم أموالاً طائلة، بلا أيّ معيار إداري أو قانوني أو حتى أخلاقي!
لماذا نقول إنّ قضية تالا ورؤى هي قضية عامة وأخلاقية ورمزية بدرجة أولى؟!
لأنّها تمس شعوراً عميقاً لدى أغلب المواطنين بغياب العدالة، والظلم المتفشي، وهشاشة معايير المواطنة ودولة القانون والمساواة، حتى في الاستثناءات التي تحدث في الجامعات، وفي المنح الدراسية للخارج والبعثات للطلبة المتفوقين، وفي التعيينات والوظائف الحكومية.. إلخ.
مثل هذه القصة تفتح مرارة الناس على جروح عميقة مفتوحة على حجم الاختلالات في عمل المؤسسات المختلفة، وازدواجية تطبيق المعايير الموضوعة. وربما من يقرأ التعليقات على مقالة العزيز إبراهيم غرايبة أمس، وعلى صفحة المهندس صخر كلوب، سيجد أنّ أغلبها استدعى مباشرةً قضايا مشاكلة وشبيهة من توريث المناصب العليا للأبناء وغياب الفرص المتساوية، إلى الحديث عن لجوء عدد كبير من المبدعين والمتميزين إلى الهجرة بسبب الشعور بغياب العدالة والقدرة على مكافأة المبدعين وتقدير الإنجاز.
في هذه المقالات لا نطرح قضية خاصة، ولا نبحث عن حلّ جزئي لها -وإن كنّا نتمنّى على الوزير أن يتقدّم خطوات إلى أمام، ويتجاوز الأحاديث العاطفية والشخصية، لمواجهة الاختلالات وعدم القبول بها كأمر واقع- إنّما نتحدث عن أسئلة مهمة وأساسية تضرب على عصب شريحة واسعة من المواطنين الذين يطمحون إلى الاستقرار في دولة لها مؤسسات محترمة مرموقة، تحترم المعايير القانونية والإدارية، وتكافئ المبدعين وتكرّمهم، لا أن تخلق لديهم شعوراً بالظلم، والرغبة في الهجرة بعيداً عن بلادهم التي تجاهلتهم وأشاحت بوجهها عنهم؛ فما أسوأه من شعور!
FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظComment
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد