حكاية العربي الذي يعيش في القيعان مع القمم والسفوح طويلة، وبها ما يصلح لتقديم دراما نادرة، فمنذ القمة الاولى تسربت الشكوك وأزمة الثقة الى القيعان، وانتهت متتالية القمم الى ما نحن عليه، وتحول العجز الى عادة بحيث لم يعد صادماً لمن تأقلموا معه على امتداد عقود.

وفي كل مرة يستبق القمة ما يشبه النذير بعدم رفع سقف التوقعات كي لا تكون الخيبة كبيرة، ومن يعرفون السبب المتكرر فقدوا العجب وانصرفوا الى شجونهم وكأن ما يجري في بلدانهم لا يعنيهم في شيء، لأن الرعايا قبل ان يتحولوا الى مواطنين لا شأن لهم بأي عقد اجتماعي أو سياسي ما دام هناك من ينوبون عنهم في كل شيء باستثناء الموت.

إن للقيعان ثقافتها وانماط تفكيرها وسلوكها، فهي الاكثر التصاقا بالتراب والاكثر واقعية رغماً عنها، خصوصاً وان مواعظها تتلخص في واحدة خرقاء، هي من ينظر إلى الأعلى يوجعه عنقه لهذا فعليه ان يبقى مطأطئاً وملتصقاً كالسلحفاة بالقاع.

إنها أزمة ثقة مزمنة بين من يصنعون القرارات ومن يسمعون بها ولا يشاركون فيها، ومنذ أصبحت القمم سنوية أو حولية كما كان أجدادنا يقولون شملتها الرتابة، والطقوس البروتوكولية بحيث ما أن يصدر بيانها الختامي حتى يسدل الستار بانتظار عام آخر.

قمة هذا الآذار الساخن على غير العادة، تتزامن دراماتيكياً مع تحولات ومتغيرات دولية واقليمية وعربية.. لهذا فالمتوقع منها أن تكون حاسمة على الأقل في وضع حد للخلافات البينية، لكن استباقها اعلامياً والمطالبة بعدم رفع سقف التوقعات هو اختراع آخر هدفه ترشيد الصدمة والتعامل مع الفشل القومي الأنكى من الفشل الكلوي بالتقسيط.

واذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه كما يقال، فان العنوان واضح تماماً وليس بحاجة الى بلاغة سياسية أو عرافين لشرحه، فالتصدع في السقف هو انعكاس لخلل في الجدران والأسس معاً، وما يسمى النظام العربي الرسمي لم يستورد من المريخ أو بلاد الواق الواق، فنحن الذين أفرزناه لهذا يقول علماء النفس والاجتماع أن كل مجتمع يستحق ما لديه من قضاة ومجرمين، وما جرى ويجري في الشارع والزقاق العربي يفتضح خللاً سايكولوجياً قد يكون بنيوياً وليس مجرد طارىء، وقد يختصر شارع واحد في مدينة كطرابلس ثنائيات الصراع في تاريخنا كله، من داحس أو داحش والغبراء الى حرب الطوائف مروراً بالغساسنة والمناذرة على تخوم الروم والفرس.

القمم انعكاس للقيعان والعكس صحيح أيضاً، وما يصح على فيزياء الطبيعة يصح أيضاً على فيزياء السياسة والتاريخ، فكم قمة قطع العرب حتى الآن وكم عقدة حلوا؟

إنه مجرد سؤال نطرحه على تلاميذنا في المدرسة الابتدائية


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خيري منصور   جريدة الدستور