سؤال يستدعي عصفاً فكرياً عميقاً (من الخبرات الأكاديمية الأردنية في العلوم الاجتماعية)، أوسع بكثير من سطور هذا المقال. إلاّ أنّ طرحه في الأوساط الإعلامية –حالياً- له ما يبرّره؛ أولاً، بعد استطلاع صحيفة "واشنطن بوست" الذي وضع الشعب الأردني في المرتبة الثالثة في العنصرية، مما صدم الرأي العام والنخب السياسية. وثانياً، على خلفية تداعيات حادثة السفارة العراقية التي استفزت الشارع بصورة كبيرة، وأثارت حالة من الغضب والاستياء، وتبعتها نداءات أقرب إلى الحالة العصابية ضد اللاجئين والأشقاء، وبعض محاولات الاعتداء البدائية!
في مناقشة هذه "الأحداث" والتداعيات نقع في خطأين، يبدو أنّهما "حالة أردنية"، وهما: التعميم، وخلط الأوراق؛ كيف؟
بمجرد أن قام مجموعة من المتحمّسين غير المسؤولين بمحاولات بائسة للاعتداء على الأشقاء العراقيين، بدأنا نتعامل مع المشهد وكأنّنا جميعاً شاركنا في "العرض"، أو إذا انطلقت صيحات غضب خرجت في مفرداتها عن المألوف، اعتبرنا أنّ الشارع أخرج "القيح العنصري" الذي في بطنه، وبدأنا نسمع من البعض جلداً كبيراً للذات، وكأنّ تاريخنا مليء بدماء وهجاء الأشقاء والآخرين!
وبالطبع، لا هذا ولا ذاك صحيح؛ بل إن من قرأ أغلب التعليقات والنقاشات، أو ردود فعل الشارع على محاولات الاعتداء واللغة العنصرية التي ظهرت، يدرك تماماً أنّ الأغلبية في الوقت الذي شعرت فيه بغضب شديد من الاعتداء الوحشي من موظفي السفارة على المواطنين الأردنيين، إلاّ أنّها لا تؤيد الانزلاق نحو العداء والتعدي على الآخرين، أو بث روح العنصرية تجاههم!
ربما يقودنا ذلك إلى قصة خلط الأوراق التي نمتاز بها فعلاً؛ فنجد نخبة من السياسيين والمواطنين يخلطون تماماً الملفات ببعضها، فلا يميزون اعتداء همجيا من موظف في السفارة العراقية، من الموقف من الأشقاء والضيوف العراقيين الذين احتضنّاهم سنوات طويلة، بل حتى من موقف الحكومة العراقية، التي بالرغم من كل تحفظاتنا عليها، سياسياً، إلاّ أنّها بادرت إلى الاعتذار واستدعاء الدبلوماسيين، والعمل على احتواء الأزمة مع الشارع الأردني.
الأغرب في هذا المشهد هو موقف البرلمان الأردني الذي خلط بعض نوابه الحابل بالنابل في ردود فعلهم على الحادثة، ولم يميّزوا أنّهم نواب الشعب المسؤولون عن مصالحه وحقوقه، وعن مسؤليتي التشريع والرقابة، وليست وظيفتهم ولا مهمتهم الدخول في سوق المزاودات مع الشارع، بلا حساب حقيقي لكل ما يصدر عنهم من أقوال وتعليقات!
هذا لا يعني أنّه ليست لدينا أزمة في الجبهة الداخلية، أو خدوش كبيرة في الروح الوطنية الجامعة؛ لكن يجب أن نضعها في مكانها الصحيح من التوصيف! فالشعب الذي بدأ عهده منذ التأسيس بحكومات محلية بصبغة عربية، واستقبل ملايين الأشقاء من مختلف الدول، وفتح ذراعيه للجميع، هو مجتمع يمتلك هوية منفتحة إيجابية في الأصل، حتى في أضيق الأوقات الاقتصادية. لكن علينا أن نبحث في مكان آخر عن السبب في صعود روح نزقة متشنّجة في أحشاء من مجتمعنا في السنوات الأخيرة!
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد