أظل اخشى الوقوع في براثن الحمى التي ترافق اي وضع التهابي يصاب به جسدي لا لشيء سوى اني اعتقد جازماً ان للحمى التي تصيبني كابوسية خاصة ، فما أن يبدا جسدي بالذبول والتراخي والاحساس بتهدل الاطراف وفقدان لذة التذوق حتى تبدأ معتقداتي الراسخة جميعها بالتزلزل وحينما احاول ان أعاند الحالة وافتح بوابة البيت وتطل عليّ الحديقة حتى أحس ان الاشجار عبارة عن ندوب شيطانية خضراء لها سرها الغامض الراسخ في الارض وحينما تعبر من امامي قطة عابرة احس بأنها هي الاخرى تمتلك وحشية خاصة تتستر عليها وانها ستعلن عنها بعد قليل ولهذا يرتعش بدني خوفاً وتزداد القشعريرة وحينما امضي في معاندة الحمى واقف فوق اسفلت الشارع اشعر باني اغوص في بحيرة مترجرجة من "الجلي" تاركاً تلك الرخاوة اللدنة تبتلعني حد الاختناق فامد يدي كي امسك بذقني التي ترتجف واتطلع ناحية السماء فارى غيوما قطنية ذات لون رامادي تتشكل بقسوة تجعل اشعة الشمس تبدو وكأنها بتكسرها تعاني هي الاخرى من مرض كوني خاص. اظل في عنادي للحالة واصر على الذهاب الى وسط البلد وحينما اصعد الى باص المؤسسة يدهشني هذا الازدحام البشري وتبدو ملامح الناس واجسادهم كانها تظهر امامي لاول مرة فاتقزز من ازيائهم ومن عرقهم البائت ومن احتكاك ملابس اي انثى بيدي ، الحمى تجعل كل من حولي يبدون وكأنهم مخلوقات جديدة حطت على الكوكب للتو فابدأ بمراقبة انوف الركاب الواحد تلو الآخر ويجذبني تهدل اذن كل واحد منهم وانا احاول البحث عن الفرق بين هذه الاذن والاخرى التي تليها وتتقافز نظراتي الى رقاب الركاب وانفر من تلك الشعيرات الدبقة على رقاب بعضهم وينتابني الشعور بان لهؤلاء الحق الآن وبحكم مراقبتي لهم بمثل هذه العدوانية الحق بمهاجمتي واحس فجأة انهم جميعا يتكومون فوقي حد الاختناق وهنا أضغط على الجرس مطالباً سائق الباص بالتوقف.

وحين يبتلعني الازدحام الساذج لوسط البلد واسير بين البضائع والناس والمتسولين واصحاب العاهات احس بان الجبال المجاورة لوسط البلد سوف تنهار ببيوتها وسكانها وهنا يأكلني الرعب وانا اشير للتاكسي الذي قادني الى بيتي وأشعرني بأنه انقذني من موت محقق.

الم اقل لكم باني أظل اخشى من الوقوع في براثن الحمى.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور