خطوة جيدة وإيجابية تلك التي قام بها مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي، بأن عدّل بعض مواد النظام الأساسي؛ فقلص عدد أعضاء المجلس من 120 إلى 80 عضواً، وأعطى المؤتمر العام للحزب الحق في اختيار 10 % من "الشورى"، نصفهم من النساء.
لكن، يبقى المأمول من الحزب، أو الحركة الإسلامية عموماً، مراجعات أعمق، ليس لاسترضاء السلطة السياسية هنا أو هناك، ولا المقصود منها "التدجين" و"الترويض"، كما تخشى قيادات إسلامية؛ بل الهدف السامي يتمثل في تطوير هذه الحركات نفسها، كي تكون قادرة على الاستجابة الفعّالة الخلاّقة للمتغيرات والتحديات المحيطة بها، وتطوير مناهجها وأدواتها في العمل العام.
على النقيض تماماً مما يجري تداوله في أوساط سياسية وإعلامية، فإنّ الحكومات هي التي تخشى من تطور الحركات الإسلامية وتقدمها فكرياً وسياسياً. بل إنّ ما حدث في مصر بعد الانقلاب العسكري، ومحاولات الإعلام المحمومة الزج بالإخوان في إطار "الحرب على الإرهاب"، يؤكّد على أنّ الحكومات تريد حركات إسلامية تتبنى العنف والإرهاب والتطرف، فهذه هي التي تخدم مصالحها، فيما تخشى (الحكومات) تماماً اندماج الحركات الإسلامية في الشأن الإصلاحي المحلي وفي القضايا التنموية، كما تخشى التزامها بالديمقراطية والمدنية والسلمية.
إذن، المطلوب هو قيام الحركات الإسلامية بمراجعات بنيوية وجوهرية من أجل المجتمعات العربية وتقدمها وتطورها. إذ إنّ هذه الحركات هي إحدى "العربات" المهمة التي يمكن أن تلعب دوراً في الحداثة والنمو والتنمية، عبر تطوير مستوى إدراك الناس للدين ومهمته، والمسؤولية المجتمعية والأخلاقية والوطنية؛ ومن خلال توظيف ما يملكه الدين من مخزون رمزي وروحي وثقافي في التكافل الاجتماعي والسلم الأهلي والعمل التطوعي، والأهم محاربة الأفكار التي تسيء للدين، من خلال زرع العصبية والطائفية والتطرف والكراهية المجتمعية!
هي لحظة تاريخية مناسبة تماماً (بعد التجربة المصرية، والإخوان غير منخرطين في العمل البرلماني والسياسي اليومي المستنزف) أمام القيادات الإسلامية الواعية المؤهلة لتفكير معمّق وطويل في التجربة الماضية وكيفية تطويرها، والاستفادة من التجارب الأخرى؛ سواء التركية، ليس فقط بما قام به حزب العدالة والتنمية من تطوير لشعاراته وأهدافه، بل حتى مضمون الحزب، وتحديداً التركيز على الجانب الاقتصادي، ودور رجال الأعمال في الدعم الخلفي للمشروع السياسي، أو حتى "الإسلام المغاربي" الذي قطع مسافات بعيدة عن "الإسلام المشرقي" الذي بالرغم من بعض التقدم، إلاّ أنّه مسكون بالتردد والقلق من التغييرات الجوهرية والعميقة!
الموضوع طويل وسأخصص له مقالاً موسّعاً، قريباً. لكن أبرز المجالات المطلوب تطويرها لدى الحركة الإسلامية المشرقية عموماً، والإخوان المسلمين في الأردن خصوصاً، لصالح الدعوة الإسلامية والمشروع الحضاري الإسلامي، تتمثل بصورة رئيسة في ضرورة استلهام التجربة الإصلاحية الحديثة، المتمثلة بأفكار محمد عبده، بما تحمله من أفكار التنوير والإصلاح المتكامل، والحث على بناء المدنية الإسلامية المعاصرة.
ثمة شرط مهم لتحقيق هذه القفزات المطلوبة، وهو الفصل بين الحقلين الدعوي والسياسي بصورة حاسمة، وما يترتب على ذلك من فك الارتباط تنظيمياً ووظيفياً بين جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، والانخراط أكثر في المشروعات التنموية والاقتصادية والمحلية، والتركيز على العمل التطوعي والمدني عبر شبكة من الجمعيات والهيئات التي تساعد على تطوير المجتمع وتأهيله اقتصادياً وتنموياً.
ربما تبدو هذه الأفكار بعيدة عن مدار التفكير والحوار المتسرّب من أروقة الإسلاميين، لكن بعضه مبثوث في مبادرة "زمزم". ولعل السؤال المطروح: لماذا لا تكون هذه الأفكار موجّهة إلى "داخل الجماعة"، بدايةً، بما يشكل، فيما لو نجح ذلك، تحولاً مهماً في مسار إحدى أبرز القوى السياسية والمجتمعية؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد