حين يتابع المواطن مثلا زيارة الملك الى مستشفى الكرك الحكومي قبل ايام ووقوفه بشكل مفاجئ على نقص المعدات والاجهزة وعدم توسعة قسم الطوارئ يخطر على باله سؤال مهم: لماذا يغيب الحساب والعقاب الذي هو ادارة لردع المقصر، حتى يكون عبرة للاخرين، وهنا لا نتحدث عن الطبيب او الممرض او حتى مدير المستشفى، بل من بيدهم القرار. فالمحاسبة ضرورية اداريا وسياسيا لأن المسؤول يشعر ان تقصيره او عدم قيامه بواجبه يجعله محل سؤال واستجواب ودفع ثمن من موقعه او صورته على الاقل.
وما دمنا في مثال مستشفى الكرك فإنّ ما وجده الملك من اوضاع قال انها غير مرضية هي أحد ثلاثة مطالب قدمها محافظ الكرك اثناء زيارة جلالته الى الكرك قبل شهور، لكن يبدو ان الحكومة لم تسمع تلك التوجيهات، ولهذا لم يطرأ على المستشفى اي تحسين وتوسيع، كما ان المدينة الرياضية وهي المطلب الثاني لم تقم الجهات الحكومية المعنية باي جهد لتنفيذ مطالب المحافظة التي حظيت بقبول وتوجيهات ملكية، وبكل صراحة فاننا امام انواع من المسؤولين اعتادوا على اسلوب في العمل، حيث كلام اللقاءات مع الناس تمحوه الايام، فالوعود يتم اطلاقها، أما التنفيذ فهو على التساهيل.
كان من المفترض ان الشهور التي مضت منذ زيارة الملك الى الكرك كافية ليتم تنفيذ المطالب او قطع شوط كبير منها، لكن حكاية المستشفى دليل على ان المسؤولين لا يقرأون ورقا، وانهم يراهنون على اسلوب المماطلة، والكرك مثال لكن من المؤكد ان لدينا حكايات في كل المحافظات، ونتذكر قبل سنوات كيف ان الملك ثابر على زيارة مستشفى البشير عدة مرات حتى شعر المسؤولون ان الامر جدي، ولهذا تم الاصلاح واشتغل المصعد.
حين تغيب المساءلة والحساب والعقاب لا يشعر المسؤول بالخوف من التقصير، وكأن العقوبة عيب مع انها قانون تربوي وسياسي واداري. ونتذكر كيف ان الحكومة لن تعاقب احدا عقابا يردع الاخرين في قضية "الثلجة"، تلك الازمة التي كانت من ادلة ضعف الاداء الحكومي، وعندما جاءت اللجنة الوزارية قدمت تقريرا مبنيا للمجهول ولم يحدد المسؤولية او يحملها لاحد، وقال الرئيس في حينها ان العقوبات ستكون غير معلنة، مع أنّ الخطأ والتقصير كانا علنيين، واصاب ضررهما فئات من الاردنيين! وذهبت اللجنة والتقرير ولم يسمع الناس عن مسؤول دفع ثمن تقصيره، ولهذا فما دامت الامور فقط محل "حكي" فالخطأ سيتكرر.
يفترض بالحكومة وكل حكومة ان تمارس عملا منهجيا، فمثلا اذا عدنا الى الكرك كمثال، فهل تسأل الحكومة نفسها لماذا قصرت في تنفيذ التوجيهات الملكية؟ ولماذا لا يحاسب الرئيس المقصرين؟ وهنا لا نتحدث عن معجزات بل عن عمل وفق الامكانات، والمسؤولية هنا ليست على مدير مستشفى بل على حكومة كانت تجلس وتسمع التوجيهات لكنها نسيتها من تعب المشوار الى الكرك او الى اي محافظة اخرى.
واجب الحكومة يحتم عليها ان تدعو الملك بعد شهور من زيارته لاي محافظة الى افتتاح المشاريع التي يتم الاتفاق على تنفيذها لا أن تضطر الملك ليذهب مرة بعد اخرى الى كل مكان تقصير حتى ينبه الحكومة ان هذا واجبها. وبعد يومين سنرى الحكومة تجلس في اجتماع مع جلالة الملك لتناقش مشكلة الخدمات الصحية في الكرك، كما جلست قبل فترة قصيرة في اجتماع لتطوير وخدمة منطقة وادي عربة، وكان الاصل ان لا تكون الحكومة نائمة لا تصحو الا حين تسمع عن زيارات الملك وتفقده للناس.
لكننا نعود الى ثغرة كبرى في اداء هذه الحكومة وحكومات سبقتها وهي غياب المبادرة والتحرك نحو المشكلات. فأيهم برنامجه مزدحم ومسؤولياته اوسع واكبر جلالة الملك الذي يعطي مساحة للمناطق الفقيرة والخدمات الضعيفة ام رئيس الحكومة والوزراء؟
ايتها الحكومة ويا ايها الوزراء التكنوقراط او السياسيون قوموا بواجبكم، ليشاهدكم الاردنيون بينهم، وليسمعوا اصواتكم خارج اطار شاشة التلفزيون، الا اذا كانت اوقاتكم مزدحمة ولديكم من المسؤوليات ما يمنعكم من اداء واجباتكم الاساسية.
بقي القول: ان العقاب والمحاسبة والمساءلة ضرورة بحق كل من يقصر في اداء واجبه، والا فإن الاخطاء ستتعاظم وتبقى الثغرات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة