حسم النائب العام في محكمة الجنايات الكبرى، أمس، السجال السياسي؛ بإصداره حكماً بفسخ قرار محكمة جنايات عمان وعدم محاكمة النائب يحيى السعود، بعد أن كان المدعي العام في "جنايات عمان" قد قرر (سابقاً) توجيه تهمة التحريض على القتل للسعود، في المشاجرة المعروفة بين النائبين طلال الشريف وقصي الدميسي؛ وكذلك توجيه تهمة القدح والذم بحق مجلسي النواب والوزراء، والاعتداء بفعل مؤثر على رئيس الحكومة وعضو في مجلس النواب.
على الصعيد القانوني والقضائي، تؤكّد مصادر خبيرة أنّ التهم التي كانت موجهة للسعود محبوكة جيداً، بخاصة ما يتعلق بالتحريض على القتل؛ إذ لا تستدعي أن يكون هنالك شكوى بها، بل شهود على ذلك توصلت إليهم التحقيقات الأولية. أما التهم الأخرى، مثل القدح والذم بحق المؤسسات العامة والأشخاص (مجلس النواب، والحكومة ورئيسها)، فتستدعي، وفقاً للخبير القانوني والنائب السابق، مبارك أبو يامين، "إخباراً" عنها أو شكوى بها.
المصادر الحكومية، وعلى نقيض القناعة السائدة في الأوساط السياسية والعامة، كانت تؤكّد أنّ الرئيس عبدالله النسور لم يكن يرغب في توقيف السعود، وشعر بالقلق مما يحمله ذلك من رسائل سياسية غير مقصودة. وربما ظهر ذلك جلياًَ في التصريح الصادر عنه، بأنّه لم يدَّعِ على السعود، وأنه لم يرغب بذلك، ولم يشعر بالارتياح مما حدث!
عدم الارتياح الذي انتاب الأوساط الحكومية، يأتي في سياق توقيت التوقيف عشية افتتاح الجلسة العادية، يوم الأحد المقبل؛ ما يؤزّم العلاقة بين المجلس والحكومة، والخشية من أن تُحمّل الحكومة ذلك، بخاصة أنّ السعود هو أبرز نائب معارض، بل معادٍ لرئيس الحكومة، ودخل في خلافات عميقة مع زملائه لهذا السبب.
المفارقة أنّ السعود كان من بين مجموعة أخرى من النواب المشاغبين على الحكومة، والذين كانوا يقفون معه في خندق الموالاة، لكنهم لأسباب شخصية بالدرجة الأولى، مرتبطة بالعداء للرئيس النسور، والشعور بخذلان الدولة لهم، ذهبوا إلى طرف المناكفة، ليس ضمن خندق المعارضة الإصلاحية الديمقراطية، بل في خندق محافظ مناكف معاتب، لا أكثر!
لم تقف مناكفة السعود للحكومة ومحاولته إعادة ترميم دوره أو هيكلته تحت القبة، بل اشترك مؤخراً في جهود احتواء الأزمة مع نشطاء الحراك في حي الطفايلة، بعد اعتقال اثنين منهم، فيما كان سابقاً يقف على الطرف الآخر المعاكس تماماً لهذا الحراك!
سياسياً، وإلى أمس، كانت هنالك نظرية أخرى في أوساط نيابية وسياسية، ترى تداعيات التوقيف على ثلاثة صعد: الأول، ضبط قواعد اللعبة السياسية، ورد الاعتبار لهيبة الدولة في عيون الجميع، بمن فيهم النواب. والثاني، تسهيل مهمة رئيس الوزراء خلال الفترة القريبة المقبلة، بالتخفيف من حدّة المعارضة النيابية المشاغبة. والثالث، يتمثل في معركة رئاسة مجلس النواب؛ إذ إنّ السعود يقف إلى جانب عبدالكريم الدغمي، بقوة ونشاط، وهو الخيار الذي لا تريده "مؤسسات القرار" للمرحلة المقبلة، لأسباب متعددة، من بينها مواقفه تجاه الملف السوري ومن دول الخليج العربي.
بالنتيجة، ما حدث مع الرجل كان جدلياً، حتى في مؤسسات القرار، وانتهى إلى الإفراج عنه ومنع محاكمته، بعد أن رُفِض طلب الكفالة له سابقاً، بالرغم من توسط عدد من النواب. وربما التطوّر الأخير يفتح الباب أمام جملة من التساؤلات التي سنتعرف على إجابتها لاحقاً، فيما إذا كان ما حدث مع السعود قانونيا- قضائيا، لم يخرج عن هذا الإطار، أم أنّ هنالك سياقاً سياسياً يضاف إلى ذلك، يرتبط برسالة واضحة للنائب، تقتصر اليوم على "قرصة أذن"! وهل سيلتقط الرسالة، أم سيصرّ على المضي قدماً في مناكفته للنسور، مما بات يزعج الدولة؟ أم أنّ النتيجة ستكون عكسية تماماً في تأزيم العلاقة بين الحكومة والمجلس في بداية دورة نيابية يتوقع أن تكون ساخنة أصلاً؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد